للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيفَ لَقَيه أبنُ دِحْيَة؟ فَلَعلَّه أجازَ لَهُ. وكذلك ابن حُنَيْن فإنهَّ خَرَجَ عن الأندلسِ ولم يرجعْ بل نَزلَ مدينة فاسٍ وماتَ سنةَ تسعٍ وستينَ. فبالجهد أن يكونَ لابن دِحْية منه إجازة. وقوِلهُ: حدَّثني، فهذا مذهبٌ رديءٌ يستعملُه بعضُ المغاربة فِي الإجازة، فهو تدليسٌ قَبِيحٌ.

وقرأت بخطِّ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الملك القُرْطُبيّ وقد كَتَبه سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وتحتَه تصحيحُ ابن دِحْية: حدَّثني القاضي أَبُو الخطّاب ابن دحية الكلبيُّ بكتابِ «الموطّأ» عن أَبِي الْحَسَن عليّ بن الحسين اللّواتيّ، وابن زرقون قالا: حَدَّثَنَا الثقةُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخولانيّ، حدّثنا أبو عمرو القيشطاليّ سماعا، حَدَّثَنَا يحيى بْن عُبَيْد اللَّه، عن عمِّ أبيِه عُبَيْد اللَّه، عن أَبِيهِ يحيى بْن يحيى، عن مالكٍ.

قَالَ ابن واصل [١] : وكَانَ أَبُو الْخَطَّاب مَعَ فَرْطِ معرفتهِ الحديثِ وحفظِه الكثير لَهُ، مُتّهمًا بالمُجازفَة فِي النقل، وبلَغَ ذَلِكَ الملكَ الكاملَ، فأمره يُعَلِّق شيئا عَلَى «الشهاب» [٢] ، فعلَّقَ كتابا تكلّم فِيهِ عَلَى أحاديثه وأسانيده. فَلَمَّا وقفَ الكاملُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ لَهُ بعد أيام: قد ضاعَ منّي ذَلِكَ الكتاب فعَلِّقْ لي مثلَه، ففعلَ، فجاء فِي الثاني مُنَاقَضةٌ للأول. فعَلِم السلطانُ صحّة ما قِيلَ عَنْهُ. فنزلَتْ مرتبُته عندَه وعَزَلَه من دارِ الحديثِ آخرا ووَلَّى أخاه أَبَا عَمرو- الّذِي نذكُره فِي العام الآتي.

قَالَ ابنُ نُقْطَة [٣] : كَانَ موصوفا بالمعرفةِ والفضلِ، ولم أرَه. إلّا أنَّه كَانَ يدّعي أشياءَ لَا حقيقة لها. ذكر لي أَبُو القاسم بْن عَبْد السلام- ثقةٌ- قَالَ: نَزَلَ عندنا ابنُ دحية، فكان يقول: أحفظ «صحيح» مسلم، و «التّرمذيّ» قَالَ: فأخذتُ خمسةَ أحاديث من «التِّرْمِذيّ» ، وخمسة من «المُسنِد» وخمسة من الموضوعاتِ فجعلُتها فِي جُزْءٍ، ثم عَرَضْتُ عَلَيْهِ حديثا من «التِّرْمِذيّ» فقال: ليسَ بصحيحٍ، وآخر فقال: لَا أعرِفُه. ولم يعرف منها شيئا.


[١] في مفرّج الكروب ٥/ ٥٢.
[٢] يعني على كتاب «الشهاب» .
[٣] قوله ليس في المطبوع من: التقييد.