للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: ما أحسنَ الصدقَ، ولقد أفسدَ هذا المرءُ نفسَه.

وقال ابنُ خلّكان [١] : عندَ وصولِ ابن دحية إلى إرْبلّ صَنَّفَ لسلطانِها المظفرِ كتابَ «المولد» وفي آخرِه قصيدةٌ طويلة مَدَحَه بها، أولها:

لَوْلا الوُشَاةُ وَهُمُ ... أعْدَاؤُنَا مَا وَهِمُوا

ثم ظهرَتْ هذهِ القصيدةُ بعينها للأسعد بْن مَمّاتي فِي «ديوانه» .

قلت: وكذلك نسبه شيءٌ لَا حقيقة.

قرأتُ بخطِّ ابن مسدي: كَانَ أَبُوهُ تاجرا يُعْرَفُ بالكَلْبي- بين الباء والفاء- وهو اسم موضعٍ بدانيةَ. وكان أَبُو الْخَطَّاب أوَّلًا يكتب «الكَلْبيّ معا» إشارة إلى البَلَدِ والنَّسَبِ، وإنّما كَانَ يُعْرَفُ بابنِ الْجُمَيِّل تصغير جَمَل. وكان أَبُو الخطَّابِ عَلَّامةَ زمانِه، وقد وَلِيَ أولا قضاءَ دَانية.

وقال التقيُّ عُبَيْد الإسْعَرْدي: أَبُو الْخَطَّاب ذو النِّسَبَين، صاحبُ الفنونِ والرحلةِ الواسعةِ. له المصنّفات الفائقة والمعاني الرائفة. وكان مُعظَّمًا عندَ الخاصِّ والعام. سُئِلَ عن مولده فقال: سنة ستّ وأربعين وخمسمائة.

وحُكّي عَنْهُ فِي مولده غيرُ ذَلِكَ. حدَّث عنه جماعة [٢] .


[١] في وفيات الأعيان: ٣/ ٤٩٩.
[٢] وقال ابن النجار: وذكر أنه سمع كتاب «الصلة» من أبي القاسم ابن بشكوال، وأنه سمع بالأندلس من جماعة، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادّعائه لقاء من لم يلقه، وسماع ما لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه، وكان القلب يأبى سماع كلامه، ويشهد ببطلان قوله، دخل ديار مصر، وسكن بالقاهرة، وصادف قبولا من السلطان الملك الكامل، وسمعت من يذكر أنه كان سوى له الملابس حين يقوم، وكان صديقنا إبراهيم السنهوري المحدّث صاحب الرحلة إلى البلاد قد دخل بلاد الأندلس وذكر لمشايخها وعلمائها أن ابن دحية يدّعي أنه قرأ على جماعة من الشيوخ القدماء، فأنكروا ذلك وأبطلوه، وقالوا: لم يلق هؤلاء ولا أدركهم، وإنما اشتغل بالطلب أخيرا وليس نسبه بصحيح، ودحية لم يعقب، فكتب السنهوري محضرا، وأخذ خطوطهم فيه بذلك، وقدم به ديار مصر، فعلم ابن دحية بذلك، فاشتكى إلى السلطان منه وقال:
هذا يأخذ عرضي ويؤذيني، فأمر السلطان بالقبض عليه، وضرب، وأشهر على حمار، وأخرج من ديار مصر، وأخذ ابن دحية المحضر وخرّقه، وبنى له السلطان الملك الكامل دارا للحديث. وكان حافظا ماهرا عالما بقيود الحديث، فصيح العبارة، تامّ المعرفة بالنحو واللغة، وكان ظاهريّ