للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه يَقُولُ البهاء زهيرٌ:

بكَ اهتزَّ عطفُ الدّين فِي حُلَلِ النّصر ... ورُدَّت عَلَى أعقابها ملّة الكفر

يقول فيها:

وأقسم إن ضاقت بنو الأصفرِ الكَرَى ... لَمَا حَلمَتْ إلّا بأَعْلامِكَ الصفرِ

ثلاثة أعوام أقمت وأَشْهُرًا ... تُجاهدُ فيهم لا بِزَيدٍ وَلا عَمْرو

ولَيلَةَ نَفْر للعَدوِّ رأيتُها ... بكثرةِ مَنْ أَردَيتُه ليلةَ النَّحْرِ

فَيَا لَيْلةً قد شرّف اللَّه قَدْرَها ... فَلا غَروَ إنْ سَمَّيتْها لَيلَةَ القَدْرِ

وهي من غُرَرِ القصائدِ.

ولمّا بَلغَتْهُ وفاةُ أخيهِ الأشرفِ سارَ إلى دمشق وقد تملَّكَها أخوهُ الصّالحُ فحاصَرَه وأخَذَها منه ومَلَكَها واستقرّ بقلعتها فِي جُمَادَى الأولى من السّنة، فلم يُمَتَّعْ بها، وعاجَلَتْهُ المَنِيَّةُ، وماتَ بعد شهرين بالقلعةِ فِي بيتٍ صغير، ولم يشعْر أحدٌ بموتِه، ولا حَضَرهُ أحدٌ من شدّة هيبته. مَرِضَ بالسُّعال والإسهال نيّفا وعشرين يوما، وكان فِي رجله نِقْرسٌ ولم يتحزنِ الناس عليه، ولَحِقَتهم بَهتةٌ لمّا سَمِعُوا بموته. وكان فِيهِ جَبَروتٌ. ومن عدِله الممزوجِ بالعَسفِ أنَّه شَنَقَ جماعةٌ من الأجنادِ عَلَى آمِد فِي أكيالِ شعير أخذوه، وكذا لمّا نَزَل دمشق، بَعَثَ صاحبُ حِمْص رجالَه نَجدةً لإسماعيل، عُدَّتُهم خمسون نفسا، فأخذهم وشنَقَهم كلَّهم.

ذكرَ شمسُ الدّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَرِيّ [١] : أنَّ عمادَ الدّين يحيى البصراويّ الشريفَ قَالَ: حكى لي الخادمُ الّذِي للكامل قَالَ: طلب منّي الكاملُ طِستًا [٢] حتى يتقيّأ، فأحضرتهُ. وكان الملكُ الناصرُ داودُ عَلَى الباب ليعودَ عمَّه، فقلت: دَاوُد عَلَى الباب. فقال: ينتظر موتي؟! وانزعج، فخرجت، وقلت: ماذا وقتك، السُّلطانُ منزعج. فنَزَلَ إلى دار سامة، وكان نازلا بها، ودَخَلْت إلى السلطانِ، فرايتُه قد قضى والطَّسْتُ بين يديه وهو مَكْبُوبٌ عَلَى المِخَدَّةِ.


[١] قول الجزري ليس في المطبوع من: المختار من تاريخه. وهو في: سير أعلام النبلاء ٢/ ١٣٠.
[٢] في الأصل: «طست» .