للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

في تحديد معالم البشرية وتاريخها، وقوانين تطورها.

ومن قبله رأى ذلك جمال الدين الأفغاني، وترجم هذا الرأي محمد عبده في تفسيره، وأفصح عنه رشيد رضا في مناره.

وعبد الحميد بن باديس في تفسيره في مجالس التذكير، اتخذ هذا الرأي قاعدة فيما شرح، ودستورًا لقوله ومنطقه فيما دعا وتحدث. وسنة للعمل فيما طبق.

لم ينافق ولم يمالي، ولم يطلب دنيا بدين، ولا متاعًا عارضًا بإيمان، ولم يليس في تذكره ومجلسه وفي رسالته لباس الحرفة والمهنة، ولم يخدع نفسه ومواطنيه".

* وقال في المقدمة أيضًا (ص ٢٤) عن إرهاصات التجديد:

"فكانت إرهاصات التجديد لهذا العلم ظاهرة في ثلاثة من أذكى علمائنا وأوسعهم اطلاعًا:

الشوكاني، والألوسي، وصديق حسن خان. مع تفاوت بينهم في قوة النزعة الاستقلالية، وفي القدرة على التخلص من الصبغة المذهبية التقليدية.

إمام المفسرين:

ثم كانت المعجزة بعد ذلك الإرهاص بظهور إمام المفسرين بلا منازع "محمد عبده" (١) أبلغ من تكلم في التفسير، بيانًا لهديه، وفهمًا لأسراره، وتوفيقًا بين آيات الله في القرآن، وبين آياته في الأكوان؛ فبوجود هذا الإمام وجد علم التفسير وتم، ولم ينقصه إلا أنه لم يكتبه بقلمه كما بينه بلسانه، ولو فعل لأبقى للمسلمين تفسيرًا لا للقرآن بل لمعجزات القرآن.

تلميذه:

ولكنه مات دون ذلك.

فخلفه ترجمان أفكاره ومستودع أسراره "محمد رشيد رضا" (٢) فكتب في التفسير ما كتب، ودون آراء الإمام فيه، وشرع العلماء منهاجه، ومات قبل أن يتمه.

فانتهت إمامة التفسير بعده في العالم الإسلامي كله، إلى أخينا وصديقنا، ومنشيء النهضة الإصلاحية العلمية بالجزائر، بل بالشمال الإفريقي (عبد الحميد بن باديس).

خصائص التفسير الباديسي:

كان للأخ الصديق "عبد الحميد بن باديس" رحمه الله ذوق خاص في فهم القرآن كأنه حاسة زائدة خص بها. يرفده -بعد الذكاء المشرق، والقريحة الوقادة؛ والبصيرة النافذة- بيان ناصع؛ واطلاع واسع؛ وذرع فسيح في العلوم النفسية والكونية، وباع مديد في علم الاجتماع، ورأي سديد في عوارضه وأمراضه.

يمد ذلك كله شجاعة في الرأي، وشجاعة في القول، لم يرزقهما إلا الأفذاذ المعدودون من البشر.

وله في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح، والتربية والتعليم: وهو أنه لا


(١) انظر ترجمة محمد عبده وما كتبناه عنه وعن تفسيره.
(٢) انظر لزامًا ترجمة محمد رشيد رضا وما كتبناه عنه وعن منهج المدرسة الإصلاحية في التفسير.