للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لائقة بالله، تحول دون وقوع التشبيه -في نظره- ولا تُبطل الرواية أصلًا، وفي ذلك دلالة إلى أن الإتجاه الأول في نظره لا يتضمن إثبات معان، بل هو مجرد "رواية" للأحاديث دون "معان" تراغ لها، وهذه حقيقة التفويض.

ومرة أخرى نستدل بمسألة "الحركة" في اكتشاف هذا الفهم الكامن وراء العبارات المتداولة في حكاية مذهب السلف، التي يحكيها المثبتة والمفوضة على حدٍّ سواء، فيقول -رحمه الله- في شرح حديث النزول عند أبي داود: ( ... والقول في جميع ذلك عند علماء السلف هو ما قلناه، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة.

وقد زل بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال، فحاد عن هذه الطريقة، حين روى حديث النزول، ثم أقبل يسأل نفسه عنه فقال: إن قال قائل: كيف ينزل ربنا إلى السماء؟ قيل له: ينزل كيف شاء، فإن قال: هل يتحرك إذا نزل أم لا؟ فقال: إن شاء تحرك وإن شاء لم يتحرك. قلت: وهذا خطأ فاحش، والله -سبحانه- لا يوصف بالحركة، لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون، وكلاهما من أعراض الحدث، وأوصاف المخلوقين. والله جل وعز متعالٍ عنهما، ليس كمثله شيء. فلو جرى هذا الشيخ -عفا الله عنا وعنه- على طريقة السلف الصالح، ولم يدخل نفسه فيما لا يعنيه، لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ الفاحش. وإنما ذكرت هذا لكي يتوقى الكلام فيما كان من هذا النوع، فإنه لا يُثمر خيرًا، ولا يُفيد رشدًا. ونسأل الله العصمة من الضلال. والقول بما لا يجوز من الفاسد المحال) (١).

والحق مع الإمام الخطابي في عدم إطلاق القول بوصف "الحركة والسكون"، ولكن ليس للعلة التي ذكرها. فقد منع ذلك لكونها من أوصاف المخلوقين، وأعراض الحدث (٢). والصواب أن علة المنع لكونها لم ترد بنفي ولا إثبات. ولذلك فالواجب منع نفيها وإثباتها، ونثبت اللفظ الوارد وهو "النزول" لفظًا ومعنىً. أما إثبات "نزول" لا يدل إلّا على حروفه فهو عين التفويض" أ. هـ.

وفاته: سنة (٣٨٦ هـ) وقيل (٣٨٨ هـ) ست وقيل ثمان وثمانين وثلاثمائة.

من مصنفاته: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، معالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن وغيرها.

١١٤٤ - أبو جعفر الخولاني *

المقرئ: حمدان بن عون بن حكيم بن سعيد الخولاني المصري أبو جعفر.

من مشايخه: قرأ على إسماعيل بن عبد الله النحّاس، وأحمد بن هلال وغيرهما.


(١) معالم السنن: (٥/ ١٠١ - ١٠٢).
(٢) التعليل بهذه العلة من مقالة ثقاة الصفات، وهو ما لا يقوله الخطابي -رحمه الله- إذ أن طرد هذا القول منع صفات العلم والقدرة والإرادة والكلام ... الخ، مما يتصف به المخلوق أيضًا، والقول في بعض الصفات كالقول في الباقي، فلا يلزم من اتفاق الأسماء اتفاق المسميات. أ. هـ. كتاب التفويض.
* تاريخ الإسلام (وفيات ٣٤٠) ط. تدمري، معرفة القراء (١/ ٢٩٩)، غاية النهاية (١/ ٢٦٠)، المقفى الكبير (٣/ ٦٤٥).