السلف الصالح معاذ الله أن نظن ذلك بهم، إنما دعتهم لذلك الضرورة في أزمنتهم لكثرة المجسمة والحشوية وغيرهم من فرق الضلال، ولاستيلائهم على عقول العامة فقصدوا ردعهم وإبطال أقوالهم.
وقد اعتذر كثير منهم، وقالوا: كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفة العقائد وعدم المبطلين ما خضنا، في ذلك وقد اتفق سائر الملوك على تأويل نحو:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ}، وقوله:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ}، وهذا الاتفاق يبين صحة ما اختاره المحققون: أن الوقف على الراسخون في العلم لا الجلالة، كذا نقل بعض المحققين: أن الجميع متفقون على التأويل وإن اختلفوا في الإجمال والتفصيل، لكن نقل القاضي عياض في باب (إثبات القدر) في حديث حج آدم موسى عن الشيخ أبي الحسن الأشعري في طائفة من أصحابه: أن كل صفات سمعية لا نعلمها إلا من جهة السمع نثبتها صفات ولا نعلم حقيقتها، وذكر مذهب السلف من إمرارها وتنزيه الله عن ظواهرها، ومذهب الخلف من التأويل على مقتضى اللغة.
وبه يعلم أن المراد بالكل في الكلام الكثير المعظم لا الشامل للجميع كما ثبته كلام القاضي -نفع الله به- واختار كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ، ويكون تعين المراد منها إلى علمه تعالي وعله توسط بين المذهبين .. " أ. هـ.
• قلت: ومن هذا الكلام من كتابه هذا، يؤيد به أقوال المتكلمين ومذاهبهم، وخاصة مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، وتكلم على أهل السنة والجماعة، وسماهم بالمجسمة والحشوية، وهذا هو ادعاء الأشاعرة عليهم، وهو في ذلك مائلًا إليه متكلم في أصوله .. والله أعلم.
وفاته: سنة (١٠٥٧ هـ) سبع وخمسين وألف.
من مصنفاته: "ضياء السبيل" في التفسير و"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" و"المواهب الفتحية على الطريقة المحمدية، في التصوف وغيرها كثير.
٣١٩٣ - الحَريري *
النحوي، اللغوي: محمّد بن عليّ بن أحمد، المعروف بالحريري، وبالحرفوشي العاملي الدمشقي.
من مشايخه: العمادي، والسيد نور الدين عليّ بن عليّ الموسوي العاملي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• خلاصة الأثر: "كان كثير من الطلبة يقصدونه وهو في حانوته يشتغل فيقرؤون عليه ولا يشغله شاغل عن العلم ... وطلبه المولى يوسف بن أبي الفتح لإعادة درسه فحضره أيامًا ثم انقطع فسأل الفتحي عن سبب انقطاعه فقيل إنه لا ينزل