في ذلك جهدًا، من متصوفة المشرق، هو الجنيد في بغداد.
كان مذهب الجنيد، أن يعرض أمره علي الكتاب والسنة، فما وافقهما قبله، وما خالفهما رفضه. وكان له في بغداد مدرسة، تتجه اتجاهه وتسمع لرأيه. والحق أن هذا الاتجاه قد صادف قبولًا عند المسلمين، عامتهم وخاصتهم، فأحبوا الجنيد وعظموه.
وفي نيسابور وما يجاورها مدرسة أخرى، قامت تدعو بهذه الدعوة، قوامها وأظهر رجالها، أبو نصر السراج، صاحب "اللمع". وتلميذه أبو عبد الرحمن السلمي "صاحب الطبقات" وتلميذ السلمي صاحب "الرسالة القشيرية". فقد كانت "حقيقة هذا المذهب عندهم متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ وشرع، وأشار إليه وصدع، ثم القدوة المتحققين من علماء المتصوفة ورواة الآثار".
ولست أحاول أن أحصي وجوه الاتفاق والاختلاف بين هاتين المدرستين، ولكني ألفت النظر إلي ما تميزت به مدرسة نيسابور، من أن بحثها في التصوف كان "بحثًا موضوعيًا". فإذا قرأت "اللمع" أو "حقائق التفسير" أو "الرسالة القشيرية"، رأيت أن المؤلف لا يكاد يظهر رأيه إلا قليلًا جدًّا, ويكتفي بسرد أقوال شيوخ الصوفية.
أما في بغداد فقد كان الأمر علي خلاف ذلك.
إذ أن صوفية بغداد كانوا يذكرون آراءهم، وفهمهم في التصوف، ثم يجمعون الآراء التي تساندهم.
ولعل القشيري قد تأثر قليلًا بمذهب الغداديين في رسالته، دون السراج في "اللمع"، أو أبي عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية"، وفي كتاب "حقائق التفسير" أ. هـ.
من أقواله: قال أبو القاسم القُشيري: سمعت أبا عبد الرحمن السُّلمي سأل أبا علي الدقاق: الذِّكر أتم أم الفكر؟
فقال أبو علي: ما الذي يُفتح عليكم به؟
فقال أبو عبد الرحمن: عندي الذكر أتم من الفكر، لأن الحق سبحانه يوصف بالذكر ولا يوصف بالفكر، وما وُصف به الحق أتم مما اختص به الخلق.
فاستحسنه الأستاذ أبو علي رحمه الله.
وفاته: سنة (٤١٢ هـ) اثنتي عشرة وأربعمائة.
من مصنفاته: "حقائق التفسير" مختصر علي طريقة أهل التصوف، و"طبقات الصوفية"، و"مقدمة في التصوف".
٢٨٦٤ - أبو الحسين الفارسي *
النحوي، اللغوي: محمّد بن الحسين بن محمّد بن الحسين بن عبد الوارث، أبو الحسين الفارسي.
من مشايخه: خاله أبو علي الفارسي وغيره.
من تلامذته: عبد القاهر الجرجاني وغيره.
كلام العلماء فيه:
• معجم الأدباء: "أخذ عن خاله علم العربية وطوف الآفاق ورجع إلي الوطن ... ونزل
* معجم الأدباء (٦/ ٢٥٢٣)، إنباه الرواة (٣/ ١١٦)، الوافي (٣/ ٩)، بغية الوعاة (١/ ٩٤).