للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الصفات، كما هو حال أبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي (١) ".

ثم قال: "وقال ابن قدامة: كما في ذيل طبقات الحنابلة: كان ابن الجوزي إمام عصره إلا أننا لم نرتضِ تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها (٢).

والذي يرجع إلى التفسير يرى أن ابن الجوزي في تفسيره بين مذهب المؤولة ومذهب المفوضة، فتراه في الاستواء يحكي إجماع السلف على قراءة الآية فقط، ولم يزيدوا على ذلك وتراه في باقي الصفات يؤول، وربما استدل لتأويله بما نقل عن الإمام أحمد في تأويل صفة الإتيان والمجيء، وقد بينا كذب ذلك نقلًا عن ابن تيمية في الكلام على القرطبي (٣)، ومما يدل على أنه كان لا يرى مذهب السلف في الإثبات ما ذكره في (صيد الخاطر) عن ابن عبد البر قال: ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له ابن عبد البر صنف كتاب (التمهيد) فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا، فقال هذا يدل على أن الله تعالى على العرش؛ لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عزَّ وجلَّ، لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام فقاس صفة الحق عليه (٤).

والخلاصة أن ابن الجوزي يميل إلى التأويل ويرى أنه من أئمة الأشاعرة فينصر مذهبه كما هو واضح في تفسيره.

صفة الاستهزاء:

قال عند قوله تعالى {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الآية.

اختلف العلماء في المراد باستهزاء الله بهم، على تسعة أقوال:

أحدها: أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار فيسرعون إليه فيغلق ثم يفتح لهم باب آخر فيسرعون فيغلق فيضحك منهم المؤمنون، روي عن ابن عباس.

الثاني: أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النار كما تجمد الإهالة في القدر فيمشون فتنخسف بهم. روي عن الحسن البصري.

الثالث: أن الاستهزاء بهم إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فيبقون في الظلمة فيقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا.

الرابع: أن المراد به يجازيهم على استهزائهم فقوبل اللفظ بمثله لفظًا وإن خالفه معنى فهو كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وقوله {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} وقال عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

أراد فنعاقبه بأغلظ من عقوبته.

الخامس: أن الاستهزاء من الله التخطئة لهم والتجهيل، فمعناه الله يخطئ فعلهم ويجهلهم في الإقامة على كفرهم.

السادس: أن استهزاءه استدارجه إياهم.


(١) مجموع الفتاوى (١٦٩/ ٤).
(٢) ذيل طبقات الحنابلة: (٤١٥/ ١).
(٣) المفسرون بين الإثبات والتأويل (٣٧٥).
(٤) صيد الخاطر: (٩٧).