للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم، ولا يجوز على القديم التغير وخوف الذم ولكن الترك لما كان من لوازمه عبر عنه به، ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة، فقالوا: أما يستحيي رب محمّد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت فجاءت على سبيل المقابلة وأطباق الجواب على السؤال وهو فن من كلامهم بديع (١).

صفة الاستواء:

ذهب النسفي في تفسيره عند قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} من سورة الأعراف مذهب الجهمية فقال: أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه وتعالى مستوليًا على جميع المخلوقات لأن العرش أعظمها وأعلاها، وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما تقوله المشبهة باطل لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان لأن التغير من صفات الأكوان والمنقول عن الصادق والحسن وأبي حنيفة، ومالك رضي الله عنهم أن الاستواء معلوم والتكييف فيه مجهول والإيمان به واجب والجحود له كفر والسؤال عنه بدعة (٢).

قلت: والنسفي ينقل قولة الإمام مالك المشهورة ومع ذلك يتنكب عنها ويثبت خلافها، هذا إن كان يدري معناها وأما إن كان لا يدري فتلك مصيبة والله يهدينا إلى سبيل الرشاد.

صفة الكلام:

قال عند قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} بلا واسطة ولا كيفية، وروى أنه كان يسمع الكلام من كل جهة، وذكر الشيخ في التأويلات أن موسى - عليه السلام - سمع صوتًا دالًا على كلام الله تعالى وكان اختصاصه باعتبار أنه أسمعه صوتًا تولى تخليقه من غير أن يكون ذلك الصوت مكتسبًا لأحد من الخلق وغيره يسمع صوتًا مكتسبًا للعباد فيفهم منه كلام الله تعالى (٣).

التعليق:

ويلاحظ من عبارة الشيخ التمحل الكبير الذي لا يصدر إلا من أشعري مغرق في الأشعرية مثله ولو رجعوا إلى مذهب السلف لأراحوا أنفسهم من هذه التصورات الخيالية التي لا تستند إلى نص ولا إلى عقل".

قلت: يبدو أن الأستاذ المغراوي في كتابه هذا لا يفرق بين الأشعرية والماتريدية فالذين قالوا بأن كلام الله لا يسمع، إنما يسمع ما هو عبارة عنه، وموسى إنما سمع صوتًا وحروفًا خلقها الله دالة على كلامه هم الماتريدية وليس الأشعرية، وهذه المسألة هي إحدى المسائل المهمة التي وقع فيها الخلاف بين الماتريدية والأشعرية. وذهب الأشاعرة في هذه المسألة إلى جواز سماع كلام الله تعالى، وأن ما سمعه موسى - عليه السلام - هو كلام الله تعالى النفسي، وذلك يكون بخلق إدراك في المستمع. [انظر كتاب الماتريدية دراسة وتقويمًا


(١) نفس المصدر (١/ ٢٨، ٢٩).
(٢) تفسير النسفي (٢/ ٤٣).
(٣) نفس المصدر (٢/ ٥٧).