يفرق ابن السيد عند حديثه عن الزمان بين مفهومين: الزمان والدهر، فالزمان مدة الأشياء المحسوسة، بينما الدهر مدة الأشياء المعقولة، والله لا يحد بالدهر أو الزمان لأن له "المرتبة الأولى من الوجود وهو متوحد بوجوده لا يشركه في وجوده شيء كما لا يشركه في شيء من صفاته ... والباري تعالى لا يوصف بالمكان وكذلك كل معقول لا مادة له". وبذلك تنقسم الموجودات إلى ثلاثة أقسام من حيث صلتها بالزمان أو المكان: فما لله كائن لا يوصف بالمكان أو الزمان أو الدهر، والأشياء المعقولة: لا مكان ولا زمان لها ولكن لها دهرًا، والأشياء المحسوسة: لها مكان وزمان.
ب - منطق الصفات الإلهية:"ابن السيد من المفكرين الذين تأولوا الصفات التي وردت في القرآن الكريم ولم يأخذوا بها على ظاهرها، إذ لا يمكن قياس الصفات الإلهية على صفات الإنسان، فوصفنا للباري تعالى بأنه سميع بصير مختلف عن وصفنا للإنسان بهذه الصفات، فالإنسان يسمع ويبصر بحدقة وجوارح بينما الله منزّه عن ذلك، ومعنى هذا أنه لا شيء مشترك بين الله والإنسان في هذا الصدد إلا الألفاظ الصفات، أما معاني هذه فمختلفة ومن هنا فإن الصفات الإلهية دون غيرها هي التي يسلم بها دون قياس أو تشبيه.
يمضي ابن السيد خطوة جديدة فيقول أن الصفات التي تطلق على الإنسان إذا أريد بها الباري وجب تخصيصها بحيث لا تنطبق إلا عليه مثال ذلك قولنا: يا جوادًا لا يبخل، ويا حليمًا لا يعجل، ويا عالمًا لا يجهل، فالإنسان مهما علت صفاته وسما في أخلاقه، فلا بد أن يبخل وأن يعجل، وأن يجهل في حكمه، وفائدة هذا التخصيص أنه يخلق تباينًا لفظيًّا ومعنويًا بين الصفات الإنسانية والإلهية. فإذا قال قائل "يا عليم ويا جواد ويا عالم فإنما يقع التباين والخلاف بالمعاني لا بالألفاظ، وإذا انفصل الشيئان لفظًا ومعنى كان أبلغ في التباين من أن ينفصلا معنى لا لفظًا".
ولتحقيق هذا التباين يعتمد ابن السيد التأويل في تفسيره لآيات القرآن الكريم، فإذا قرأ قوله تعالى {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} قال: إن الفعل الإلهي موضوع الآية هو: إتيان فعل، لا إتيان ذات، فالله لا يوصف شأن المحدثات بالانتقال فالكلام في الآية على سبيل المجاز.
ويدخل ابن السيد في حوار لغوي فلسفي مع بعض علماء النحو الذين أخذوا الآيات على ظاهرها حتى كفروا من قال بأن "قائمًا" هي حال في الآية: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وتتلخص حجة هؤلاء النحويين في أن "الحال" صفة متنقلة و "فضلة في الكلام". لذا فإن من الحال إعراب "قائمًا" بأنها حال، لأننا حينئذ نجوّز الإنتقال والحركة على الله، فضلًا عن كون "القيام بالقسط" صفة لله تعالى لم يزل موصوفًا بها ولا يزال، ولا يصح فيها الانتقال، وقد وصف ابن السيد هؤلاء النحاة بقلة البصر بصناعة العربية وسوالفهم، ذلك أن "النحويين لم يريدوا بقولهم أن الحال فضلة في الكلام بأنه