قال ابن الرماني في كتاب "الفريدة": كان أَبو حيان كذابًا قليل الدين والورع، مجاهرًا بالبهت، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل، وقال ابن الجوزي: كان زنديقًا.
قلت: بقي إلى حدود الأربعمائة ببلاد فارس، وكان صاحب زندقة وانحلال، قال جعفر بن يحيى الحكاك: قال لي أَبو نصر السجزي: إنه سمع أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى عليّ على أبي حيان فقال: هذه الرسالة عملتها ردًّا على الروافض، وسببها أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء -يعني ابن العميد- فكانوا يغلون في حال عليّ، فعملت هذه الرسالة، قلت: فقد اعترف بالوضع، انتهى وقرأت بخط القاضي عَزَّ الدين بن جماعة، أنه نقل من خط ابن العلاج أنه وقف لبعض العلماء على كلام يتعلق بهذه الرسالة ملخصة، لم أزل أرى أبا حيان عليّ بن محمّد التوحيدي معدودًا في زمرة أهل الفضل، موصوفًا بالسداد في الجد والهزل، حتى صنع رسالة منسوبة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما راسلًا بها عليًّا - رضي الله عنه -، وقصد بذلك الطعن علي الصدر الأول، فنسب فيها أبا بكر وعمر رضي الله عنهما إلى أمر لو ثبت لاستحقا فوق ما يعتقده الإمامية فيهما، فأول ما يدل فيها على افتعاله في ذلك نسبته إلى أبي بكر، وأنشأ خطبة بليغة تملق فيها لأبي عبيدة ليحمل له رسالته إلى عليّ - رضي الله عنه -، وغفل عن أن القوم كانوا بمعزل عن التملق، ومنها قوله: ولعمري إنك أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة، ولكنا أقرب إليه قربة، والقرابة لحم ودم، والقربة نفس وروح، وهذا يشبه كلام الفلاسفة، وسخافة هذه الألفاظ تغني عن تكلف الرد. وقال فيها: إن عمر - رضي الله عنه - قال لعلي في ما خاطبه به: إنك اعتزلت تنتظر وحيًا من جهة الله وتتواكف مناجاة الملك، وهذا الكلام لا يجوز نسبته إلى عمر - رضي الله عنه -، فإنه ظاهر الإفتعال، إلى ذلك مما تضمنته الرسالة من عدم الجزالة التي تعرف من طراز كلام السلف.
وقال ابن النجار في "الذيل": كان أَبو حيان التوحيدي فاضلًا، لغويًّا، نحويًّا شاعرًا، له مصنفاته حسنة، وكان فقيرًا، صابرًا، متدينًا، حسن العقيدة.
وقال أَبو سعد المطرز: سمعت فارس بن بكران الشيرازي يقول، وكان من أصحاب أبي حيان التوحيدي قال: لما احتضر أَبو حيان، كان بين يديه جماعة فقالوا: اذكروا الله، فإن هذا مقام خوف، وكل يسعى لهذه الساعة، وجعلوا يذكرونه ويعظونه، فرفع رأسه اليهم وقال: كأني أقدم على جندي أو شرطي إنما أقدم على رب غفور، وقضى.
قلت: وقد وقفت على مثال الوزيرين لأبي حيان التوحيد، والمراد بهما أَبو الفضل ابن العميد، وأَبو القاسم بن عاد، وذكر أن سبب تصنيفها أنه وفد على ابن عباد، فاتخذه ناسخًا، وأنه خيب أمله بعد مدة مقامه عنده نحوًا من أربع سنين، ورحل عنه خائبًا، فما استنكرته من كلامه في هذا الكتاب، أنه حكى عن المأمون أنه قال لأبي العتاهية: إذ قال الله لعبده لم لم تطعني ما يجيب؟ قال: يقول: لو وفقتني لأطعتك، قال