أولًا: إن السيّد الشريف درس الفقه وفروعه على قاضي قضاة الحنفية في مصر أكمل الدين البابرتي، وإن زملاءه الذين أشار السخاوي أنهم كانوا معه في هذه الدراسة كالفناري وحاج باشا وابن قاضي سماونة كانوا حنفيين أيضًا.
ثانيًا: كان أساتذته في العلوم العقلية جميعها من أتباع المذهب الحنفي كالرازي التحتاني ومبارك شاه المنطقي والفناري والنور الطاووسي وغيرهم.
ثالثًا: خلت موسوعات التراجم لأعلام الشيعة من ذكر السيد الشريف، كـ"أعيان الشيعة" لمحسن الأمين.
رابعًا: اتفق أغلب من ترجم للسيّد الشريف من المؤرخين على أنه كان سنيًّا حنفيًّا كالسخاوي، والسيوطي، وابن تغري بردي، والشوكاني، وطاشكبري زادة، واللكنوي الذي دافع عن حنفيّة السيّد الشريف، وغيرهم.
خامسًا: كانت المتون والمؤلفات الفقهية والدينية التي شرحها السيّد الشريف، أو علّق عليها، أو وضع حواشي لها، كانت كلّها حنفيّة المذهب، كـ"فرائض السجاوندي" المعروفة بالسراجية، و "أنوار التنزيل" و "مشكاة المصابيح" و "شرح الوقاية" وغيرها.
بعد ذلك تبقى شبهة أخرى كادت تلحق بالسيّد الشريف، وهي اتهامه بالاعتزال، لقوة حجّته وقدرته على الجدل والحجاج، والحقّ أنه لم يكن معتزليًا، وإنما جاءته هذه القوة والقدرة، من دراسته وتمرّسه العميقين بعلمي الكلام والمنطق، ولأن البيئة التي كان يعيش فيها كانت بيئة جدل وحجاج ومناظرات، ولم يتمكّن من تثبيت أقدام في عالم الفكر والشهرة إلّا عن طريق هذه المناظرات.
لقد سيطرت المدرسة الكلاميّة -على حد تعبير أحمد مطلوب- على الأجواء الفكرية والعلمية في شرق العالم الإسلامي، ولا شكّ أنه كان من أقطاب هذه المدرسة من كان ينتسب إلى مذهب الاعتزال كالزمخشري، بل كاد الإعتزال يسيطر على أقاليم معينة هناك، فعلى الرغم من أن المذهب الذي كان سائدًا في ربوع خوارزم مثلًا هو المذهب الحنفي إلا أن الاعتزال انتشر انتشارًا كبيرًا في هذا الإقليم، حتى لتكاد لفظة خوارزمي ترادف لفظة معتزلي (١).
فليس غريبًا بعد هذا كلّه أن يتسرب الاعتزال في الكلام والمنطق والفلسفة إلى علماء الحنفيّة المشتغلين بهذه العلوم، إلا أنه لا يمكن أن نطلق لفظة "معتزلي" إلّا على من كان على مذهب الاعتزال فكرًا وأسلوبًا وطريقة، فكثيرًا ما يستخدم الخصم أسلوب خصمه في إفحامه والتغلّب عليه، وأغلب ظننا أنّ السيّد الشريف لم يكن ليتورّع عن استخدام كلّ الأساليب الممكنة في جدله وحجاجه مع علماء عصره في سبيل التفوق والشهرة، إلا أنه لم يكن شيعيًا ولم يكن معتزليًا، لأن كلا المذهبين تجمعهما خصومة واحدة مع المتصوفة، فقد كان المعتزلة يهاجمون التصوف وأقطابه، كما فعل الزمخشري في كتابه المشهور "الكشاف" أ. هـ.