للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فهم مقهورون تحت قدرته وكل من قهر شيئًا مستعل عليه بالقهر والغلبة (١).

١٣ - صفة اليد:

قال عند قوله تعالى من سورة الفتح: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ}: يد الله أي المتردي بالكبرياء فوق أيديهم أي في المتابعة يحتمل وجوهًا وذلك أن اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد وإما أن تكون بمعنيين فإن كانت بمعنى واحد ففيه وجهان:

أحدهما: قال الكلبي: نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البدعة كما قال الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}.

ثانيهما: قال ابن عباس، ومجاهد: يد الله بالوفاء بما وعدهم من النصر والخير أقوى وأعلى من نصرتهم إياه، يقال اليد لفلان أي الغلبة والقوة وإن كانت بمعنيين ففي حق الله تعالى بمعنى الحفظ وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة.

قال السدي: كانوا يأخذون بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبايعونه ويد الله تعالى فوق أيديهم في المبايعة وذلك أن المتبايعين إذا مد أحدهما يده إلى الآخر في البيع وبينهما ثالث يضع يده على أيديهما ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ولا يترك أحدهما يد الآخر لكي يلزم العقد ولا يتفاسخان فصار وضع اليد فوق الأيدي سببًا لحفظ البيعة، فقال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} يحفظهم على البيعة كما يحفظ المتوسط أيدي المتبايعين.

قال البقاعي: فلعنة الله على من حمله على الظاهر من أهل العناد ببدعة الاتحاد وعلى من تبعهم على ذلك من الذين شاقوا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وسائر الأئمة الأعلام ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا أتباع فرعون اللعين وناهيك به من ضلال مبين. انتهى.

وقد مر أن التأويل في الآيات المتشابهات مذهب الخلف ومذهب السلف السكوت عن التأويل وإمرار الصفات على ما جاءت وتفسير قراءتها والإيمان بها من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل (٢).

وقال عند قوله تعالى من سورة المائدة: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} الآية: أي هو ممسك يقتر بالرزق وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} ولا يقصد من يتكلم به إثات يد ولا غل ولا بسط ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلًا لقالوا ما أبسط يده بالسؤال لأن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود وقد استعملوها حيث لا تصح اليد كقولهم بسط اليأس كفيه في صدري فجعلت لليأس الذي هو معنى من المعاني لا من الأعيان كفان.

قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} مشيرًا بالتثنية إلى غاية الجود وأن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه جميعًا (٣) " أ. هـ.


(١) تفسير الخطيب الشربيني (١/ ٣٤٠).
(٢) تفسير الخطيب الشربيني (٤/ ٣٥).
(٣) تفسير الخطيب الشربيني (١/ ٣١٧).