للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

متضحة، فتتضح إذ ذاك، حتى تحصل المعرفة الحقيقة بذات الله سبحانه، وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة، ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان، ومعنى لفظ الملائكة والشياطين، وكيفية معاداة الشياطين للإنسان، وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وكيفية وصول الوحي إليهم، والمعرفة بملكوت السموات والأرض .. الخ ثم يقول عن هذه الكشوفات التي تحصل: "وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب، ولا يتحدث بها من أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله، وهو المشارك فيه، على سبيل المذاكرة، وبطريق الإسرار وهذا هو العلم الخفي .. "، إن هذا الكلام الخطير يقوله الغزالي في أهم وأشهر كتاب من كتبه، وقد ألفه في أواخر عمره بعد عزلته ورجوعه إلى بغداد، ومما يلاحظ أن لفتات كثيرة تشبه هذا الكلام جاءت متفرقة في هذا الكتاب الكبير".

ثم يقول: "ومن الأمور الخطيرة في مذهب الغزالي ميله إلى تأويل عذاب القبر، وعذاب النار ونعيم الجنة، بتأويلات قرمطية باطنية، حتى ذكر في المضنون به على غير أهله: أن نصوص النعيم "ما خوطب به جماعة يعظم ذلك في أعينهم ويشتهونه غاية الشهوة ويقول: "والرحمة الإلهية ألقت بواسطة النبوة إلى كافة الخلق القدر الذي احتملته أفهامهم ولا يقول قائل: إن هذا كتاب المضنون -وهو مشكوك في صحة نسبته إلى الغزالي- لأن الغزالي صرح بشيء من ذلك في كتابه الأربعين -الذي لا يشك أحد في نسبته إليه- فقال: "أما قولك: إن المشهور من عذاب القبر التألم بالنيران والعقارب والحيات، فهذا صحيح، وهو كذلك، ولكني أراك عاجزًا عن فهمه ودرك سره وحقيقته، إلا أني أنبهك على أنموذج منه تشويقًا لك إلى معرفة الحقائق، والتشمر للإستعداد لأمر الآخرة، فإنه نبأ عظيم أنتم عنه معرضون"، ثم يضرب مثالا، ويؤوله ثم يقول: "لعلك تقول: قد أبدعت قولا مخالفًا للمشهور، منكرًا عند الجمهور، إن زعمت أن أنواع عذاب الآخرة يدرك بنور البصيرة والمشاهدة إدراكًا مجاوزًا حد تقليد الشرائع، فهل يمكنك -إن كان كذلك- حصر أصناف العذاب وتفاصيله؟ فاعلم أن مخالفتي للجمهور لا أنكره، وكيف تنكر مخالفة المسافر للجمهور، فإن الجمهور يستقرون في البلد الذي هو مسقط رؤوسهم، ومحل ولادتهم، وهو المنزل الأول من منازل وجودهم وإنما يسافر منهم الأحاد"، ثم يذكر كيف يترقى الإنسان حتى "يفتح له باب الملكوت فيشاهد الأرواح المجردة عن كسوة التلبيس، وغشاوة الأشكال، وهذا العالم لا نهاية له"، ولا شك أن مذهب الغزالي الفلسفي الصوفي قاده إلى مثل هذه التأويلات الخطيرة -نعوذ بالله من الخذلان-.

ثم يختم كلامه عن الغزالي بتلخيص تأثيره فيمن بعده فيقول: "هذا هو أبو حامد الغزالي -من خلال لمحات سريعة عن منهجه وعقيدته الذي تأثر به من جاء بعده، ويمكن تلخيص هذا التأثر بما يلي:

١ - التاكيد على إنكار السببية، فقد تأثر به من جاء بعده، دون الإنتباه إلى تحفظاته التي أوردها.