للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مناسب للمقام لدلالته على التحقيق، أي أن حياتهم متحققة لا شبهة فيها، ولا يخفى أن المقام مقام مدح، فتفسير العندية بالقرب أنسب به (١).

١٠ - صفة اليد واليمين: قال الألوسي عند قوله تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.

{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي كلا، ليس الشأن كما زعموا، بل في غاية ما يكون من الجود وإليه -كما قيل- أشير بتثنية اليد، فإن أقصى ما تنتهي إليه هم الأسخياء أن يعطوا بكلتا يديهم، وقيل اليد هنا أيضًا بمعنى النعمة، وأريد بالتثنية نعم الدُّنيا ونعم الآخرة، أو النعم الظاهرة والنعم الباطنة، أو ما يعطى للاستدراج وما يعطى للإكرام وقبل: وروي عن الحسن أنَّها بمعنى القدرة كاليد الأولى، وتثنيتها باعتبار تعلقها بالثواب وتعلقها بالعقاب، وقيل: المراد بالتثنية التكثير، كما في قوله تعالى: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ كرتين} والمراد من التكثير مجرد المبالغة في كمال القدرة وسعتها. لأنَّها متعددة، ونظير ذلك قول الشَّاعر:

سرت أسرة طرتيه فغورت ... في الخصر منه وأنجدت في نجدة

فإنه لم يرد أن لذلك الرشا طرتين إذ ليس للإنسان إلَّا طرة واحدة، وإنَّما المراد المبالغة.

وقال سلف الأمة رضي الله عنهم أن هذا من المتشابه، وتفويض تأويله إلى الله تعالى هو الأسلم، وقد صح عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أنَّه أثبت لله عز وجل يدين، وقال: (وكلتا يديه يمين) ولم يرو عن أحد من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - أن أوّل ذلك بالنعمة أو بالقدرة، بل أبقوها كما وردت وسكتوا، ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب لا سيما في مثل هذه المواطن (٢).

وقال عند قوله تعالى من سورة ص {يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وهذا عند بعض أهل التأويل من الخلف، تمثيل لكونه عليه السَّلام معتنى بخلقه فإن من شأن المعتنى به أن يعمل باليدين، ومن آثار ذلك خلقه من غير توسط أب وأم، وكونه جسمًا صغيرًا انطوى فيه العالم الأكبر، وكونه أهلًا لأنَّ يفاض عليه ما لا يفاض عن غيره، إلى غير ذلك من مزايا الآدمية وعند بعض آخر منهم، اليد بمعنى القدرة، والتثنية للتأكيد الدال على مزيد قدرته تعالى، لأنَّها ترد لمجرد التكرير نحو (فأرجع البصر كرتين) فأريد به لازمه وهو التأكيد، وذلك لأنَّ الله تعالى في خلقه أفعالًا مختلفة من جعله طينًا مخمرًا، ثم جسمًا ذا لحم وعظم، ثم نفخ الروح فيه، وإعطائه قوة العلم والعمل، ونحو ذلك مما هو دال على مزيد قدرة خالق القوى والقدر، وجوز أن يكون ذلك لاختلاف فعل آدم، فقد يصدر منه أفعال ملكية، كأنها من آثار اليمين، وقد يصدر منه أفعال حيوانية كأنها من آثار الشمال، وكلتا يديه سبحانه يمين، وعند بعض اليد بمعنى النعمة، والتثنية إما لنحو ما مر وإمَّا على إرادة نعمة الدُّنيا ونعمة الآخرة.


(١) روح المعاني: (٢/ ١٢٢).
(٢) روح المعاني: (٢/ ١٨١).