مع خلقه الأرض بمنافعها- إلى السماء جهة العلو ... أو على تعالى إلى السماء وارتفع من غير تكييف ولا تحديد ولا تشبيه، مع كمال تنزيهه عن سمات المحدثات.
٥ - في معنى الإتيان - (ص ٣٧) - من قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ.} قال: "أي إتيان عذاب الله وأمره وبأسه.
- وفي معنى الكرسي والعرش (ص ٤٦٩) قال: "والصحيح أن الكرسي غير العرش، والعرش أكبر من الكرسي، كما دلت على ذلك الآثار والأخبار، وهما مخلوقان له تعالى، كالسموات، والأرض، ومن المتشابه، الذي استأثر الله بعلمه، فنفوض علم حقيقتهما إليه تعالى، مع كمال تنزيهه عن الجسمية، ومشابهة الحوادث، قال تعالى:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ويقال: فلان يسع الشيء سعة: إذا احتمله، وأطاقه، وأمكنه القيام به، وأصل الكرسي في اللغة -مأخوذ- من تركب الشيء بعضه على بعض، ومنه الكراسة لتركب بعض أوراقها على بعض، وفي العرف ما يجلس عليه، سمي به خشبة بعضه على بعض، وجاء في المصباح المنير، للإمام الفيومي: وتكرس فلان الحطب، وغيره: إذا جمعه، ومنه الكراسة بالتثقيل.
وبعد، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} قيل: أحاط علمه بهما، وقيل: ملكه وسلطانه، أو قدرته، وهي معان مجازية للكرسي وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته، أو هو تمثيل لعظمته، وتمثيل مجرد كقوله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} من غير تصور قبضة، وطيّ، ويمين، ولا كرسي في الحقيقة، ولا قاعد، ولذا قال العلامة التفتازاني: إنه من باب إطلاق المركب الحسي المتوهم على المعنى العقليّ المحقق، وفي القاموس ما يقتضي أن إطلاق الكرسي على العلم حقيقة، فحينئذ لا حاجة للتجوز المذكور، ونصه: والكرسيّ -بالضم، والكسر- السرير، والعلم، والجمع كراسيّ، وبلدة بطبرية: جمع عيسى - عليه السلام - الحواريين بها، وأنفذهم إلى النواحي، وفي تفسير القرطبي: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كرسيه علمه، ورجحه الطبري، وقيل: كرسيه: قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، كما تقول: اجعل لهذا الحائط كرسيًا، أي: ما يعمده، وهذا قريب من قول ابن عباس رضي الله عنهما).
ثم قال بعدها:"وهذه الآيات، وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح، إمرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، أي: عدم تأويلها بآراء الناس، بل نؤمن بها مع تنزيه الله تعالى عن الشبه بشيء من خلقه" أ. هـ.
وكلامه هذا مناقض لما سبق ذكره، وفي الحقيقة فإن هذا يؤيد ما توصلنا إليه من خلال بحثنا من أن كثير من المعاصرين متذبذب في قوله في الأسماء والصفات فتارة يؤول وتارة يثبت وهكذا. والله أعلم بالصواب.