للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه) (١)، يا سبحان الله! وهل محل أفضل من المسجد؟ وهل نشر لعلم يُقارب تعليم القرآن؟ كلا والله. وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب؟ وأحسب هذه الحكاية موضوعة .. ففي إسنادها من ليس بثقة.

تتمة الحكاية: قال: قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك هؤلاء الأحداث والصبيان. ثم لم تأمن أن تغلط، فيرموك بالكذب، فيصير عارًا عليك في عقبك. فقلت: لا حاجة لي في هذا.

قلت: الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلقة، فإن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مئة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث الصبيان، هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مئة سنة، بل كان يطلبه كبار العلماء، بل لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلًا.

ثم قال: قلت: أتعلم النحو. فقلت: إذا حفظت النحو والعربية، ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تقعد معلمًا فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة. قلت: وهذا لا عاقبة له. قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني؟ قالوا: تمدح هذا فيهب لك، أو يخلع عليك، وإن حرمك هجوته. قلت: لا حاجة فيه.

قلت: فإن نظرت في الكلام، ما يكون آخر أمره؟ قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام، فيُرمى بالزندقة، فيُقتل، أو يسلم مذمومًا.

قلت: قاتل الله من وضع هذه الخرافة، وهل كان في ذلك الوقت وجد علم الكلام؟ ! .

قال: قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تُسأل وتُفتي الناس، وتُطلب للقضاء، وإن كنت شابًّا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه وتعلمته (٢). وبه إلى ابن كاس، حدثني جعفر بن محمّد بن خازم، حدثنا الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن زفر بن الهذيل، سمعت أبا حنيفة يقول: كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغًا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يومًا فقالت لي: رجل له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟ فلم أدر ما أقول. فأمرتها أن تسأل حمادًا، ثم ترجع تخبرني. فسألته، فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع


(١) أخرجه البخاري (٥٠٢٧) و (٥٠٢٨)، في فضائل القرآن باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وأبو داود (١٤٥٢) في الوتر، باب: ثواب قراءة القرآن، والترمذي (٢٠٩٩)، في ثواب القرآن، باب: ما جاء في تعلم القرآن. وابن ماجه (٢١١) في المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأحمد (١/ ٥٧، ٥٨، ٦٩)، والدارمي (٢/ ٤٣٧) في فضائل القرآن، باب: خياركم من تعلم القرآن وعلمه. من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
(٢) قال د. بشار عواد في "تهذيب الكمال" عن هذه الحكاية: "هذه حكاية موضوعة مختلقة لا تصح إسنادًا ولا متنًا، ففي إسنادها من ليس بثقة فمحمد بن شجاع كذاب معروف". ثم قال: " ... ولم يكن علم الكلام موجودًا آنذاك فهذا كلها تدل على وضعها وتفاهة واضعها .. " أ. هـ. تهذيب الكمال (٢٩/ ٤٢٥).