للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على المنطقيين) (١٤٢) ما نصه: "ثم أن هؤلاء إن يتبعون كلام ابن سينا، وابن سينا يتكلم في أشياء من الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت إليها عقولهم ولا بلغتها علومهم، فإن استفادها من المسلمين وإن كان إنما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية وكان أهل بيته من أهل دعوتهم من أتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو وأهل بيته وأتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد. أحسن ما يظهرونه دين الرفض، وهم في الباطن يبطئون الكفر المحض.

وقد صنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كتبًا كبارًا وصغارًا، وجاهدوهم باللسان واليد، إذ كانوا أحق بذلك من اليهود والنصارى، ولو لم يكن إلا كتاب (كشف الأسرار وهتك الأستار) للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب، وكتاب عبد الجبار بن أحمد، وكتاب أبي حامد الغزالي، وكلام أبي إسحاق، وكلام ابن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، والشهرستاني وغير هؤلاء مما يطول وصفه.

والمقصود هنا أن ابن سينا أخبر عن نفسه أن أهل بيته -أباه وأخاه- كانوا من هؤلاء الملاحدة، وأنه إنما اشتغل بالفلسفة بسبب ذاك، فإنه كان يسمعهم يذكرون "العقل" و"النفس".

وهؤلاء المسلمون الذين كانوا ينتسب إليهم، هم مع الإلحاد الظاهر والكفر الباطن أعلم بالله من سلفه الفلاسفة، كأرسطو وأتباعه، فإن أولئك ليس عندهم من العلم بالله إلا ما عند عبّاد مشركي العرب ما هو خير منه.

وقد ذكرت كلام أرسطو نفسه الذي ذكره في "علم ما بعد الطبيعة" في "مقالة اللام" وغيرها. وهو آخر منتهى فلسفته، وبينت بعض ما فيه من الجهل، فإنه ليس في الطوائف المعروفين الذين يتكلمون في العلم الإلهي مع الخطأ والضلال مثل علماء اليهود والنصارى وأهل البدع من المسلمين وغيرهم أجهل من هؤلاء، ولا أبعد عن العلم بالله تعالى منهم.

نعم لهم في "الطبيعيات" كلام غالبه جيد، وهو كلام كثير واسع. ولهم عقول عرفوا بها ذلك. وهم قد يقصدون الحق، لا يظهر عليهم العناد.

لكنهم جهال بن "العلم الالهي" إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ.

وابن سينا لما عرف شيئًا من دين المسلمين -وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة- أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما أخذه من سلفه. فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه ومما أحدثه مثل كلامه في النبوات وأسرار الآيات والمنامات بل وكلامه في بعض الطبيعيات والمنطقيات وكلامه في واجب الوجود ونحو ذلك. وإلا فأرسطو وأتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الأحكام التي لواجب الوجود. وإنما يذكرون العلة الأولى ويثبتونه من حيث هو علة غائبة للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به.

فابن سينا أصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض إصلاح حتى راجت على من لم يعرف دين الإسلام من الطلبة النظار وصاروا يظهر لهم