"إذا ثبت في الأذهان أن الراغب الأصبهاني كان في رأس المائة الخامسة للهجرة -كما تقدم- فإننا نطالب كتب الطبقات والتراجم التي تلت هذه الفترة بشيء من التعرض لحياته وآثاره. ولكننا تخيب فينا الآمال حينما لا نظفر بشيء من كل معجم الأدباء، ويتيمة الدهر، ووفيات الأعيان، والوافي بالوفيات، وفوات الوفيات، وعقود الجمان على وفيات الأعيان، وتاريخ الحكماء للقفطي، والخريدة، ودمية القصر، ونزهة الألباء في طبقات الأدباء، وطبقات الشافعيين للسبكي وللإسنوي وللحسيني، وطبقات أعلام الشيعة، وطبقات الحفاظ. كل هذه المراجع قد صمتت عن الراغب صمتًا غريبًا، وهذا يفتح مجال التفكير في الأسباب. فهل يكون السبب في تنقل الراغب بين أصفهان وبغداد؟ وهو أمر نحدس به حدسًا؟ أم أنه عدم تقرب الرجل من المناصب السياسية في الوزارة والكتابة؟ أم أن السبب يكمن في عدم انتماء هذا الكاتب إلى حزب سياسي عقائدي يكفل له النشر والخلود؟ أم يكمن في أسلوبه المتحرر من قيود الصنعة اللفظية التي كان تكفل لمحتذيها السمعة والصيت؟ أن الباحث المدقق في دراسة الراغب لا يستبعد كلا من الأسباب، بل قد يرى أنها تضافرت عليه فتركته نسيًا منسيًا" أ. هـ.