للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مشكاة المصابيح" (١) في مقدمته ذاكرًا لعقيدة صاحب الترجمة بعد قول ابن حجر، وابن خلدون فيه (١/ ١٩): "وهذا يدلنا على أن الطيبي كان على عقيدة أهل السنة والجماعة، مجانبًا مذاهب أهل الأهواء والبدع، وقد ظهر ذلك جليًا في مؤلفات الطيبي عامة، وفي حاشيته خاصة، بل لعل من أهم أهدافه في الحاشية هو الرد على الزمخشري في اعتزاله، وبيان أن البلاغة تتنزل على مذهب أهل السنة، لا على مذهب المعتزلة، كما يقول ابن خلدون، وإن لم يصرح الطيبي بذلك في مقدمة حاشيته.

هذا، وقد كان لهذه العقيدة أثرها فيما كان عليه الطيبي من الورع والتقوى، والميل إلى الزهد في الدنيا، مع قدرته وغناه، فظل ينفق في وجوه الخيرات، حتى صار إلى الفقر في آخر عمره ... أما مذهب الطيبي التعبدي أو الفقهي فقد رجح محقق حاشيته (فتوح الغيب) أنه شافعي، غير أنه لم يذكر في طبقات الشافعية أو غيرها، ولم يتعرض لهذا الأمر أحد من الذين ترجموا له، ولا يبعد عندي أن يكون الطيبي غير ملتزم مذهبًا بعينه" أ. هـ.

* قلت: أما قول المحقق: أنه من أهل السنة والجماعة ... هذا بعيد نسبيًا، لأن القارئ سوف يقرأ بعد قليل ما نقلناه عنه في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" لتأويله للصفات وقوله على مذهب الأشاعرة، وميله لهم لأسباب كثيرة -قد تكون- الرد على المعتزلة، فالأشعرية هم أحد أقوى المذاهب التي تصدت إلى المعتزلة كلامهم، وأيضًا نقل الطيبي الكثير لأقوال أئمة الأشعرية، كالإمام الفخر الرازي، والخطابي، وأبوحامد الغزالي وغيرهم، وسوف تنقل بالنص ما وجدناه في شرحه حول تأويله للصفات، أما رده على غير المعتزلة، مثل الزنادقة والرافضة، والخوارج، والحلولية، وأهل التجسيم والتشبيه ومنحرفي الصوفية وغيرهم، فذلك واضح لديه كما في: (٨/ ٢٤٥٤) و (٨/ ٢٤٩٧) وغيرهما.

وأما مذهبه الفقهي، فهو كأنه يميل إلى الشافعية، وقد يكون ذلك واضحًا خلال كلامه على قنوت الفجر، الذي أوجبه الإمام الشافعي، دافع عنه الطيبي وقال (٤/ ١٢٣٢): "وقد شهد جماعة بالإثبات .. " أ. هـ. وتصحيح الرواية وثباتها .. مع ما يذكره في مواضع كثيرة من شرحه لقول الشافعي وتبنيه كما في مواضع: (٤/ ١٢٥٢) و (٤/ ١٢٥٧) وغيرها.

وقد تكلم الطيبي أيضًا عن التصوف والمتصوفة، ذاكرًا أقوال الأئمة التصوف ومشايخهم، كذكره لكلام شيخه أبو جعفر السهروري في أهل التصوف، وأهل التصوف الأول: الذين علومهم كلها البناء عن وجدان، وانجراف إلى عرفان .... إلى آخر كلامه، واندراسهم في حقائقهم وأسرارهم.

ثم قال الطيبي بعد إيراد قول أبو حامد الغزالي في تصوفه أهل الزمان على مختلف أزمانهم وأحوالهم، كمتصوفة السلف كالجنيد والشيخ عبد القادر الجيلاني وغيرهما من أهل العلم


(١) "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة- الرياض، ط- الأولى, لسنة (١٤١٧ هـ -١٩٩٧ م).