(لأنه يسبق إلى إلى الأذهان أنَّ الزائد هو الذي لا معنى له) أصلًا (وكلامه سبحانه منزَّهٌ عن ذلك) لأنَّ ما من حرف فيه إلَّا ولهُ معنى صحيح "ومنْ فهمَ خلاف ذلك فقد وهِم".
(وقد وقع هذا الوهمُ، بفتح الهاء مصدرُ وَهِمَ بكسرِها إذا غلط، الإمام فَخْرُ الدين خطيبُ الريِّ، قال الكافيجي: فإن قلتَ: منْ أينَ علمَ المصَنِّف أن هذا الوهم وقع للإمام فخر الدين الرازي؟ قلتُ: منْ أمرين:
الأولُ: أنَّهُ نقل إجماعَ الأشاعرةِ على عدم وقوع المُهْمَلِ في كلام الله تعالى، وهو عينُ الإجماع على عدم وقوع الزائِد فيهِ، إذ الزائدُ بهذا المعنى هو عينُ المهَمل، فلوْ لم يقعْ له هذا الوهَمُ لما احتاج إلى التعرُّض لهذا الإجماع.
والثاني: أنَّهُ حمَلَ ما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} على أنها استفهامية بمعنى التعجُّب كقوله تعالى: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} فأشار المصنَّفُ إلى الأول بقوله: (فقال) الفخْرُ الرازيُّ: (المحققون) من المتكلمين وهمُ الأشاعرة، (على أن المهمل لا يقع في كلام الله تعالى لترفُّعهِ عن ذلك. وأشار إلى الثاني بقوله: فأما "ما" في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} فيمكنُ أن تكون استفهامية للتعجب والتقدير فبأيِّ رحمةٍ، يعني: زائدةٌ، انتهى كلامُ الفخر الرازي. والظاهرُ أنَّ هذا الوهم لا يقعُ لواحدٍ من العلماء، فضلًا عن أنْ يقع لمثلِ الإمام الرازيِّ، وإنما أنكر إطلاق القول بالزائد إجلالًا لكلام الله تعالى وللملازمة لباب الأدب كما هو اللائق بحاله.
وأما حمْلُ "ما" في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} يمكنُ أن تكونَ استفهامية بمعنى التعجب، على سبيل الجواز والإمكان الذي قاله المعربون.
وعبارةُ بعضهم قيل: "ما" زائدة للتوكيد، وقيل: نكرة، وقيل: موصوفةُ برحمةٍ، وقيل: غيرُ موصوفةٍ، ورحمة بدل منها، فهو بمعزلٍ عن الدلالة على وقوع الوَهم منْهُ بمراحل. انتهى كلامُ الكافيجي.
ولما فرغ المصنفُ من نقل كلامِ الإمام الرازيُّ وتوجيهه، وأراد إبطاله ببيانَ تعريف الزائد قائلًا: "والزائد عند النحويين هو الذي لم يُؤتَ به إلا لمجرَّد التقوية والتوكيد، لا إنَّ الزائد عندهُم هو (المُهْمل) كما توهمهُ الإمام الرَّازي. وأنت قد علمتَ أن الإمام الرازي برئٌ من ذلك.
(والتوجيهُ المذكور) للإمام الرازي (في الآية باطل لأمرين):
أحدهما: أنَّ "ما" الاستفهامية إذا خُفِضت وجب حذف ألفها، فرقًا بين الاستفهام والخبر، (نحو: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و"ما" في الآية ثابتةُ الألف ولو كانت استفهامية لحُذفت ألفُها، لدخول حرفِ الخفْض عليها، وأجيب بأن حذف ألف "ما" الاستفهامية إذا دخل الخافض أكثريٌ لا دائميٌ، فيجوز إثباتها للتنبيه على إبقاء الشيءِ على أصله. وعورض بأن إثباتَ الألفِ لغة شاذةٌ لا يحْسنُ تخريجُ التنزيلِ عليها.
والأمرُ الثاني: (أنَّ خفض رحمةٍ حينئذٍ) أي حينَ إذ قال: إنَّ "ما" الاستفهامية (يُشْكِلُ) على القواعد (لأنه)، أي: خَفَضَ رحمةٍ، (لا يكون بالإضافة، إذ ليس في أسماء الاستفهام ما يضافُ إلَّا (أيَّ" عند) النحاةِ (الجميع، وكم عندَ) أبي