قال محمد بن عطية الشاعر: كنت في مجلس القاضي يحيى بن أكثم، فوافى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج، وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر، ثم أقبل على القاضي يحيى بن أكثم فقال: أعز الله القاضي، أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيت نقص أو مطعن؟ قال: لا، قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم مقام أهلها وأنسب إلى فن واحد اقتصر الناس عليه؟ ! يعني الغناء، قال ابن عطية المذكور: فالتفت إليّ القاضي يحيى وقال: الجواب في هذا عليك، وكان الراوي المذكور من أهل الجدل، فقال للقاضي يحيى: نعم أعز الله القاضي، الجواب علي، ثم أقبل على إسحاق وقال: يا أبا محمد؛ أنت في النحو كالفراء أو الأخفش؟ فقال: لا، قال: فأنت في علم الكلام كأبي الهذيل العلاّف والنظام البلخي؟ قال: لا، قال: فأنت في الفقه كالقاضي، وأشار إلى القاضي يحيى؟ قال: لا، قال:
فمن ههنا نسبت إلى ما نسبت إليه؛ لأنه لا نظير لك فيه، وأنت في غيره دون رؤساء أهله، فضحك وقام وانصرف، فقال القاضي يحيى لابن عطية: لقد وفيت الحجة حقها، وفيها ظلم قليل لإسحاق؛ فإنه ممن يقل في الزمان نظيره.
١١٥٦ - [أبو بكر ابن أبي شيبة](١)
عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، واسم أبي شيبة: إبراهيم بن عثمان، العبسي الكوفي، المعروف بأبي بكر ابن أبي شيبة، أخو عثمان والقاسم.
سمع أبا عوانة، وسفيان بن عيينة، وجعفر بن عون وغيرهم.
وروى عنه البخاري، ومسلم وغيرهما، وله تصانيف كبار.
قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه.
وقال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة: أبو بكر ابن أبي شيبة وهو أسردهم، وابن معين وهو أجمعهم، وأحمد ابن حنبل وعلي بن المديني؛ فأحمد أفقههم فيه، وابن المديني أعلمهم به.
(١) «الجرح والتعديل» (٥/ ١٦٠)، و «تاريخ بغداد» (١٠/ ٦٦)، و «تهذيب الكمال» (١٦/ ٣٤)، و «سير أعلام النبلاء» (١١/ ١٢٢)، و «تاريخ الإسلام» (١٧/ ٢٢٧)، و «تذكرة الحفاظ» (٢/ ٤٣٢)، و «الوافي بالوفيات» (١٧/ ٤٤٢)، و «مرآة الجنان» (٢/ ١١٦)، و «تهذيب التهذيب» (٢/ ٤١٩)، و «شذرات الذهب» (٣/ ١٦٥).