كان عبد الرحمن المذكور فقيها عارفا، محققا، أول من رتّب مدرسا في الجامع المظفري بالمهجم، وكان راغبا في ازدراع الأرض، مشغولا لا يكاد يفرغ للتدريس، فكتب الطلبة إلى المظفر يشكون حالهم معه، فصرفه المظفر عن التدريس، ورتّب مكانه الفقيه جمال الدين أحمد بن علي العامري شارح «التنبيه»، فلم يزل الفقيه جمال الدين مستمرا في التدريس إلى أن توفي.
ثم إن الفقيه علي بن إبراهيم بن صالح عم الفقيه عبد الرحمن طلب من الفقيه عبد الرحمن شيئا، فلم يعطه ما يرضيه، فرفع إلى المظفر أن الأمير ابن أبي زكريا أودع الفقيه عبد الرحمن-أو أودع أباه-مالا جليلا، فحاقق السلطان بينهما، وكانت المهجم إقطاع الأمير ابن أبي زكريا، وكان يصحب القضاة بني صالح ويحبهم ويعتقدهم، فترك عندهم مالا له قدر، وأمرهم أن يتصدقوا عنه على من يعرفون استحقاقه، فصرفوا منه جملة مستكثرة ولم يبق منه غير قدر يسير وقت رفاعة الرافع، فطولب المرفوع عليه بأصل المال كله ولم يقبل قوله في صرف ما ذكر، فصودر الفقيه عبد الرحمن مصادرة قبيحة باع فيها رجال بني صالح ونساؤهم جميع ما يملكونه حتى تخلص، وكان ذلك سبب سقوطهم وفقرهم.
ولم أقف على تاريخ وفاته، وإنما ذكرته هنا؛ لأنه كان موجودا أيام المظفر.
٣٤٧٤ - [علي العثري](١)
علي بن إبراهيم بن صالح بن علي بن أحمد العثري، عم المذكور قبله.
ولاه المظفر قضاء المهجم؛ مكافأة لما فعله مع ابن أخيه عبد الرحمن بن صالح بن إبراهيم، فلم تحمد سيرته فيه، وتأذى الناس به تأذيا كليا، وهمّ القاضي البهاء بعزله، فلم يساعده المظفر، فلم يزل قاضيا بها إلى أن توفي.
ولم أقف على تاريخ وفاته، وإنما ذكرته هنا؛ لأنه كان موجودا في أيام المظفر.
قال الجندي: (وكان الأولون من بني صالح يغلب عليهم الدين والكرم ومواساة المحتاجين، وخصالهم الحميدة أكثر من أن تحصر، ثم حدث منهم شباب سلكوا غير طريقهم، وفعلوا ما لا يليق بهم، فروى بعض الناس أنه رأى بين بيوتهم في بعض الليالي
(١) «السلوك» (٢/ ٣٢٩)، و «طراز أعلام الزمن» (٢/ ٥٧)، و «تحفة الزمن» (٢/ ١١٤).