الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن عبد الله صاحب المقداحة.
كان من كبار العباد، وأعيان الزهاد.
حكى الجندي عن الثقة: (أن الشيخ كان في بدايته يرعى غنما يملكها في نواحي المشيرق-تصغير مشرق-فبينا هو ساهر ليلة على سطح بيته مع أهله؛ إذ أقبل فقير، فقالت المرأة للزوج: انزل إلى الفقير، واعتذر منه، فقد تعشينا، وما معنا شيء، فلما هم الشيخ بذلك .. أمسكت رجلاه عن المشي، فوقع في نفسه أن ذلك حال الفقير، فغير نيته، وعزم على تلقيه، فانطلقت رجله، فنزل إلى الفقير وسلم عليه، وأدخله منزله ورحب به وقال لامرأته: اصنعي لنا طعاما نأكله، فأبت، فضربها بعود شجها في رأسها، ثم أخذ الطعام، وجعل يطحن بنفسه، فاستحيت المرأة، وربطت رأسها، وطحنت وعصدته، وقربته إليهم، فأكل الشيخ والفقير، ثم مسح الفقير على رأس الشيخ وصدره، ثم ودّعه وسار، فوقع في قلب الشيخ العزم للحج، فباع غنمه، وقضى المرأة صداقها، وتزود بالباقي إلى مكة، فحج ورجع إلى الجند لخدمة الشيخ عبد الله بن الرّميش، بضم الراء، وفتح الميم، وسكون المثناة تحت، ثم شين معجمة، فالتزم بخدمة الرباط، وظهر للرميش منه أمور عظيمة، وأحوال خارقة، فهم أن يحكمه، فقيل له خطابا: ليس من أصحابك، هو من أصحاب الشيخ أبي الغيث، فقال له: يا علي؛ تقدم إلى الشيخ أبي الغيث، فهو شيخك فاصحبه، فنزل إلى تهامة.
ويروى أن الشيخ أبا الغيث كان يقول للفقراء: يقدم عليكم فقير كبير القدر من هذه الجهة، ويشير إلى الطريق التي جاء منها، فكان الفقراء كل يوم يخرجون إلى تلك الجهة ينتظرونه، فدخل الشيخ علي القرية على حين غفلة من الفقراء، فدخل الرباط، فرحب به الشيخ أبو الغيث، وحكمه من ساعته، فكان يقال: نساجة صاحب المقداحة للرميش، وقصارته لأبي الغيث.
وأقام عند الشيخ أبي الغيث مدة، ثم انتقل إلى بلده، وقصد مسجدا خرابا يومئذ بالموضع المعروف بالمقداحة، وكان يومئذ خلاء ليس به ساكن، فاعتكف فيه، ثم قدم إلى
(١) «السلوك» (٢/ ٢١٥)، و «العقود اللؤلؤية» (١/ ١٧٥)، و «طراز أعلام الزمن» (٢/ ٢٩٧)، و «تحفة الزمن» (١/ ٥١٥)، و «طبقات الخواص» (ص ٢١٣)، و «هجر العلم» (٤/ ٢١٠١).