قل للملوك تخلى عن ممالكها ... فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها
وفي ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها رسالة بديعة، مشتملة على معان رفيعة، مع الإيجاز الفائق، والمنطق الرائق، في حالة يذهب فيها الإنسان عن نفسه، والخطب الذي صير الضرغام في رمسه، وهي:
كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه، وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة، وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا، وقد حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده، وقد قبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضيا عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المعدّة ما لا يدفع البلاء، ولا يملك رد القضاء، وتدمع العين، ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا يوسف لمحزونون.
وأما الوصايا .. فما يحتاج إليها، والآراء .. فقد شغلني المصاب عنها.
وأما لائح الأمر .. فإنه إن وقع اتفاق .. فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غيره ..
فالمصائب المستقبلة أهونها موته، وهو الهول العظيم، والسلام.
٢٦٤٣ - [ابن سالم](١)
محمد بن عبد الله بن الفقيه محمد بن سالم بن عبد الله بن محمد بن سالم.
ولد سنة سبع وعشرين وخمس مائة.
وإليه انتهت رئاسة الفتوى بذي أشرق، وكان فقيها مجودا.
توفي في عشر التسعين وخمس مائة.
(١) «طبقات فقهاء اليمن» (ص ٢٠١)، و «السلوك» (١/ ٣٥١)، و «العطايا السنية» (ص ٥٥١)، و «طراز أعلام الزمن» (٢/ ١٤٧)، و «تحفة الزمن» (١/ ٢٧٩)، و «هجر العلم» (٢/ ٧٣٥).