ولم أقف على تاريخ وفاة الفقيه المذكور، وذكرته هنا في طبقة ابنيه الفقيهين الجليلين علي وإسماعيل الآتي ذكرهما (١).
[٤٢٣٤ - [علي بن محمد بن عمر]]
علي بن محمد بن عمر بن راشد، ولد المذكور قبله.
كان فقيها إماما، بارعا في العلوم، شيخا كبيرا، تقيا نقيا، فاضلا كاملا مفضالا، ذا كرم وجود وسخاء.
نشأ بالخبر الوادي المذكور في ترجمة والده، وقرأ القرآن بحبان، وسافر إلى عدن لطلب العلم، فدخلها، ولقي بها جماعة من العلماء، فقرأ «منهاج الإمام محيي الدين النووي» وخرج إلى حبان، وأدرك والده حيا ضريرا، فسأله عما قرأ من الكتب، فقال له:
قرأت «منهاج النووي»، فأنكر عليه وزجره، وأمره بالرجوع وقال له: عليك ب «الروضة»، فرجع ووصل إلى مدينة زبيد وهو في عنفوان شبابه حديث السن، فدخل في بعض مدارسها على شيخ بالمدرسة إمام، في حلقته كثرة من الطلبة والمناظرين، وكان من عادة ذلك الشيخ أنه لا يقوم لأحد من الناس وإن كان السلطان أو شيخا كبيرا أو عالما شهيرا، فلما دخل الفقيه علي عليهم المدرسة .. سلم عليهم، فردوا، وقام هذا الشيخ له قياما تاما، فلما تسالما .. انصرف الفقيه إلى نحو الأماكن المعدة للتوضؤ والاغتسال مطاهر المدرسة، فرآه الشيخ يتردد متحيرا غير عارف بها، ففطن منه مقصوده، فنهض إليه، وأخذ بيده، وأدخله المطاهر، ورجع إلى موضع الحلقة للتدريس والمناظرة، فسمع الفقيه علي وهو يتوضأ من يخاطب الشيخ من الدرسة ويقول له: يا شيخ؛ العجب منك أنك يدخل عليك السلطان وفلان وفلان من المشايخ والعلماء فلا تقوم لأحد، وهذا شاب غريب حديث السن قمت له! ما هذا من عادتك؟ ! فقال: نعم، هذا الغلام سيكون له في بلده شأن.
ثم إن الفقيه علي قرأ على الشيخ المذكور في «الروضة» حتى أكملها فيما أظن، فورد على شيخه سؤال، وكتب عليه جوابا، وعرضه على الدّرسة جميعهم، فكلهم كتب عليه تصحيحا، وأما الفقيه علي .. فقيل إنه قال: لو سئلت .. لأجبت بخلاف هذا، فاغتنمها
(١) ترجمة ابنه علي هي الترجمة الموالية، وانظر ترجمة ابنه إسماعيل (٦/ ٣٩٧).