يحكى أنه حصلت عليهم أزمة شديدة، لحقهم منها ضرر شديد، فبعث بعض أهل تلك الناحية لرجل منهم بقرص خبز؛ لما يعلم من ضرورته، فأخذ الدّرسي القرص، وآثر به سرا صاحبا له، وأوهمه أنه قد انقضت حاجته من الطعام من موضع آخر، ثم إن الآخر آثر به صاحبا آخر سرا، ولم يزل كذلك حتى عاد القرص إلى الذي أعطيه أولا، فوصل به إلى الفقيه وأخبره القصة، فقال: الحمد لله الذي جعل في أصحابي صفة من صفات أصحاب الصفة وأنصار نبيه صلّى الله عليه وسلم، وقسم القرص على عددهم.
فلما ظهر عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة، وغلب على تلك الناحية .. خرج الفقيه هذا في نحو ستين طالبا وقصد تهامة، فمر ببيت خليفة من أعمال المهجم، فأضافه هو وأصحابه جميعهم شيخ القرابليّين عمران بن قبيع ثلاثة أيام، وسأله أن يقف معه، ويدرس في قريته، فأجابه إلى ذلك، فأقام عنده عدة سنين إلى أن توفي الإمام عبد الله بن حمزة ووهن أمر الزيدية، فعاد الفقيه إلى بلده، فأقام بها مدة قدم في أثنائها الشيخ أبو الغيث بن جميل، وابتنى هنالك رباطا، وأقاما متعاضدين مدة، فلما ظهر الإمام أحمد بن الحسين، واشتدت شوكة الزيدية هنالك .. خرج الفقيه والشيخ معا إلى تهامة، فنزل الشيخ على الفقيه عطاء، ونزل الفقيه علي بن مسعود على صهره الفقيه عمرو بن علي التباعي، وكان مزوجا على بنت أخي الفقيه علي بن مسعود، ولم يزل الفقيه مقيما عند صهره بأبيات حسين إلى أن توفي في عشر الخمسين وست مائة.
٣٠٣٥ - [أبو الغيث بن جميل](١)
الشيخ الجليل السيد العارف بالله تعالى أبو الغيث بن جميل اليمني، شيخ الشيوخ، ذو المقامات العلية، والأحوال السنية.
كان قدس الله روحه عبدا يقطع الطريق، فبينما هو كذلك كامن للقافلة؛ إذ سمع هاتفا يقول:(يا صاحب العين؛ عليك أعين) فوقع ذلك منه موقعا أزعجه عما كان عليه، وأقبل به على الإقبال إلى الله تعالى والإنابة إليه.
(١) «السلوك» (١/ ٣٣٢)، و «مرآة الجنان» (٤/ ١٢١)، و «العقود اللؤلؤية» (١/ ١٠٧)، و «طراز أعلام الزمن» (٤/ ٢٠٨)، و «تحفة الزمن» (١/ ٢٥٥)، و «طبقات الخواص» (ص ٤٠٦)، و «غربال الزمان» (ص ٥٢٦)، و «شذرات الذهب» (٧/ ٤٤٢)، و «هجر العلم» (١/ ٢١٩).