كان راوية أخباريا، نقل من كلام العرب وعلومها وأشعارها ولغاتها الكثير، وله عدة تصانيف، واختص بمجالسة المنصور والمهدي والهادي والرشيد، وروى عنهم.
قال الهيثم: قال لي المهدي: ويحك يا هيثم؛ إن الناس يخبرون عن الأعراب شحّا ولؤما وكرما وسماحا، وقد اختلفوا في ذلك، فما عندك؟ فقلت: على الخبير سقطت، خرجت من عند أهلي أريد ديار قرابة لي ومعي ناقة أركبها؛ إذ ندت فذهبت، فجعلت أتبعها حتى أمسيت، فأدركتها، فنظرت فإذا خيمة أعرابي، فأتيتها، فقالت ربة الخباء: من أنت؟ قلت: ضيف، قالت: وما يصنع الضيف عندنا؟ ! إن الصحراء لواسعة، ثم طحنت برا، وعجنته وخبزته وأكلته، فجاء زوجها ومعه لبن، فسلم ثم قال: من الرجل؟ قلت:
ضيف، قال: حياك الله، وقال: يا فلانة؛ ما أطعمت ضيفك شيئا؟ فقالت: نعم، ثم دخل الخباء وأتاني بقعب مملوء لبنا، فشربت شرابا هنيئا، فقال: ما أراك أكلت شيئا، وما أراها أطعمتك، فقلت: لا والله، فدخل مغضبا عليها وقال: ويلك؛ أكلت وتركت ضيفك، قالت: ما أطعمه طعامي، وتجاريا الكلام بينهما حتى شجها، ثم أخذ شفرة ونحر ناقتي، فقلت: ما صنعت عافاك الله؟ ! قال: والله لا يبيت ضيفي جائعا، ثم جمع حطبا، وأجج نارا، وأقبل يكبّب ويطعمني ويأكل، ويلقي إليها ويقول: كلي لا أطعمك الله، حتى إذا أصبح .. تركني ومضى، فقعدت مهموما، فلما تعالى النهار .. أقبل ومعه بعير ما يسأم الناظر أن ينظر إليه، فقال: هذا مكان ناقتك، ثم زودني من ذلك اللحم ومما حضره، فخرجت من عنده، فضمني الليل إلى خباء، فسلمت، فردت صاحبة الخباء السلام وقالت: من الرجل؟ فقلت: ضيف، فقالت: مرحبا بك، وحياك الله وعافاك، فنزلت، ثم عمدت إلى برّ فطحنته وعجنته، ثم خبزته خبزة روتها بالزبد واللبن، ثم وضعتها بين يدي وقالت: كل ذا واعذر، فلم ألبث أن أقبل أعرابي كريه الوجه، فسلم، فرددت عليه السلام، فقال: من الرجل؟ قلت: ضيف، قال: وما يصنع الضيف عندنا؟ ! ثم دخل إلى أهله وقال: أين طعامي؟ قالت: أطعمته الضيف، فقال: أتطعمين طعامي الأضياف؟ !
(١) «تاريخ بغداد» (١٤/ ٥٠)، و «معجم الأدباء» (٧/ ٢٢٤)، و «وفيات الأعيان» (٦/ ١٠٦)، و «تاريخ الإسلام» (١٤/ ٤٢٢)، و «مرآة الجنان» (٢/ ٣٢)، و «شذرات الذهب» (٣/ ٣٩).