وبالجملة فلم يل الخلافة أكرم منه كما لم يلها أبخل من أبيه.
وتوفي لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة.
قيل: إنه ساق خلف صيد، فدخل الصيد خربة، فتبعه المهدي، فوقع به صدمة من باب الخربة من شدة سوقه، فتلف لساعته، وقيل: بل تغاير جاريتان له، فبعثت إحداهما إلى الأخرى بخبيص مسموم لتقتلها، فلقي المهدي الرسول، فتناول ما كان معه وأكل منه فمات، فأرسلوا بالخاتم والقضيب إلى ولده موسى الهادي وولي عهده، فبادر مسرعا على البريد، فمدة ولاية المهدي عشر سنين وأياما، وعمره في إحدى الروايتين ثمان وأربعون سنة.
قال علي بن يقطين: بينا نحن مع المهدي ذات يوم؛ إذ قال: إني أصبحت جائعا، فأتي بخبز ولحم مثرد، فأكل وأكلنا معه، ثم قال: إني داخل هذا البهو: فأنام، فلا تنبهوني حتى أنتبه من ذات نفسي، فدخل ونام، ونمنا في الرواق، فما استيقظنا إلا ببكائه، ففزعنا لذلك وجئنا إليه وقلنا: ما بكاؤك يا أمير المؤمنين؟ قال: بينا أنا نائم؛ إذ رأيت شيخا واقفا على باب هذا البهو يقول:[من الطويل]
كأني بهذا البهو قد باد أهله ... وأوحش منه سرحه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله
ولم يبق إلا ذكره وحديثه ... تنادي بليل معولات حلائله
فما لبث إلا مدة حتى مات.
٨١٩ - [نافع القارئ](١)
نافع بن أبي نعيم الليثي مولاهم أبو عبد الرحمن القارئ، مقرئ مكة والمدينة، وأحد القراء السبعة.
قال موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين.
وقال الإمام مالك: نافع إمام الناس في القراءة.
(١) «طبقات ابن سعد» (٧/ ٥٧٨)، و «وفيات الأعيان» (٥/ ٣٦٨)، و «معرفة القراء الكبار» (١/ ٢٤١)، و «سير أعلام النبلاء» (٧/ ٣٣٦)، و «تاريخ الإسلام» (١٠/ ٤٨٤)، و «العبر» (١/ ٢٥٧)، و «مرآة الجنان» (١/ ٣٥٨)، و «شذرات الذهب» (٢/ ٣١٢).