ودخل أبو العيناء يوما على الوزير أبي الصقر، فقال: ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء؟ فقال: سرق حماري، قال: وكيف سرق؟ قال: لم أكن مع اللص فأخبرك، قال: فهلا أتيتنا على غيره، قال: قعد بي عن الشراء قلة يساري، وكرهت ذلة المكاري، ومنة العواري.
ومر بباب من يبغضه وهو مريض فقال لغلامه: كيف حاله؟ فقال: كما تحب، فقال:
ما لي لا أسمع الصراخ عليه؟
وخاصمه علوي، فقال له العلوي: أتخاصمني وأنت تقول: اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد؟ ! فقال: لكني أقول: الطيبين الطاهرين، ولست منهم.
ووقف عليه رجل من العامة فقال: من هذا؟ فقال: رجل من بني آدم، فقال: مرحبا بك أطال الله بقاءك، ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع.
وذكر له أن المتوكل قال: لولا أنه ضرير .. لنادمناه، فقال: إن أعفاني من رؤية الأهلة وقراءة نقش الفصوص .. فأنا أصلح للمنادمة.
وقال له المتوكل يوما: ما تقول في دارنا هذه؟ فقال: الناس بنوا الدور في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك، فاستحسن كلامه.
وقال له ابن مكرم يوما يعرض به: كم عدة المكذبين بالبصرة؟ فقال: مثل عدد البغاءين ببغداد.
توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
١٣٣٧ - [ابن الرومي](١)
أبو الحسن علي بن العباس المعروف بابن الرومي الشاعر المشهور، صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة ويستخرجها من مكامنها، ويبرزها بأحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية، وهو مولى عبيد الله بن عيسى بن أبي جعفر المنصور العباسي، وله القصائد المطولة، والمقاطيع البديعة، من ذلك قوله:[من البسيط]
كم ضنّ بالمال أقوام وعندهم ... وفر وأعطى العطايا وهو يدان
(١) «معجم الشعراء» للمرزباني (ص ١٤٥)، و «المنتظم» (٧/ ٢٩٢)، و «الكامل في التاريخ» (٦/ ٤٩٥)، و «وفيات الأعيان» (٣/ ٣٥٨)، و «تاريخ الإسلام» (٢١/ ٢٢٥)، و «مرآة الجنان» (٢/ ١٩٨).