أبو طاهر المنصور إسماعيل بن القائم بن المهدي العبيدي الباطني صاحب المغرب.
كان شجاعا فصيحا مفوها، يرتجل الخطب.
خرج في أيام أبيه مخلد الإباضي، فاستولى على ممالك بني عبيد وقمعهم، حتى حصر القائم في المهدية، فمات القائم في الحصار، وأخفى ولده المنصور موته، واستعد لمحاربة مخلد الإباضي حتى أزاحه، ثم لم يزل يستقلع منه ما استولى عليه من البلدان والحصون وغيرها حتى لم يبق في يد الإباضي شيئا منها، ثم أسره المنصور، وقتله وسلخه وحشا جلده قطنا.
أصابه مرة مطر نزل فيه برد كثير، وهبت ريح شديدة، فأوهن ذلك جسمه، واشتد عليه البرد، ومات أكثر من معه، وأراد أن يدخل الحمام، فنهاه طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي فلم يقبل منه، ودخل الحمام، ففنيت الحرارة الغريزية منه، ولازمه السهر، وأخذ إسحاق يعالجه، والسهر باق على حاله، فاشتد ذلك عليه، فقال لبعض الخدم: أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا؟ قالوا: هنا شاب قد نشأ يقال له:
إبراهيم، فأمر بإحضاره، فحضر، فعرفه حاله، وشكى ما به، فجمع له أشياء منومة، وجعلت في قنينة على النار، وكلفه شمها، فلما أدمن شمها .. نام، وخرج إبراهيم مسرورا بما فعل، وجاء إسحاق ليدخل عليه فقالوا: هو نائم، فقال: إن كان قد صنع له شيئا ينام به .. فقد مات، فدخلوا عليه، فوجدوه قد مات، فأخذوا إبراهيم، فقال إسحاق: ما له ذنب، إنما داواه بما ذكره الأطباء، غير أنه جهل أصل المرض، وما عرفتموه، وذلك أني كنت أعالجه وانظر في تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم، فلما عولج بما يطفئها .. علمت أنه قد مات.
توفي المذكور في سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة، ثم دفن بالمهدية.
(١) «الكامل في التاريخ» (٧/ ١٩٨)، و «وفيات الأعيان» (١/ ٢٣٤)، و «تاريخ الإسلام» (٢٥/ ٢٤١)، و «العبر» (٢/ ٢٦٣)، و «مرآة الجنان» (٢/ ٣٣٣)، و «البداية والنهاية» (١١/ ٢٦٨).