وأخبار الفضل في الجود وغيره من حسن الأخلاق كثيرة شهيرة.
ولما غضب الرشيد على البرامكة، وقتل جعفرا .. حبس الفضل ووالده، وضرب الفضل في الحبس مائتي سوط حتى جرح ظهره، فعالجه طبيب حتى برئ، فاقترض الفضل من بعض أصحابه عشرة آلاف درهم، وسيرها للطبيب، فردها، فظن الفضل أنه استقلها، فاقترض عشرة آلاف أخرى، وسيرها إلى الطبيب، فأبى أن يقبلها وقال: ما كنت لآخذ على معالجة فتى من الكرام كراء، والله؛ لو كانت عشرين ألف دينار ما قبلتها، فلما بلغ الفضل ذلك .. قال: والله؛ إن الذي فعله هذا أبلغ مما فعلناه في جميع أيامنا من المكارم، وكان الطبيب في شدة وفاقة، وكان الفضل ينشد وهو في السجن:[من الطويل]
إلى الله فيما نالنا نرفع الشكوى ... ففي يده كشف المضرة والبلوى
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ... فلا نحن في الموتى ولا نحن في الأحيا
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
وكان الفضل كثير البر بأبيه، وكان أبوه يتأذى من استعمال الماء البارد في زمن الشتاء، فيقال: إنه لما كان في السجن .. لم يقدر على تسخين الماء، فكان الفضل يأخذ الإبريق النحاس، فيلصقه إلى بطنه زمانا عسى تنكسر برودته بحرارة بطنه؛ حتى يستعمله أبوه.
ولد الفضل لسبع بقين من ذي الحجة سنة سبع وأربعين ومائة، وتوفي في السجن سنة اثنتين وتسعين ومائة في المحرم، ولما بلغ الرشيد موته .. قال: أمري قريب من أمره، فكان كذلك؛ فإن الرشيد توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة.
٩٢٢ - [العباس بن الأحنف](١)
العباس بن الأحنف اليماني، الشاعر المشهور.
من قوله:[من الطويل]
إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة ... فلا خير في ود يكون بشافع
فأقسم ما تركي عتابك من قلى ... ولكن لعلمي أنه غير نافع
(١) «الأغاني» (٨/ ٣٦٦)، و «تاريخ بغداد» (١٢/ ١٢٧)، و «المنتظم» (٥/ ٥٦٣)، و «معجم الأدباء» (٤/ ٣٥٧)، و «وفيات الأعيان» (٣/ ٢٠)، و «تاريخ الإسلام» (١٣/ ٢٤٥)، و «العبر» (١/ ٣١٢)، و «الوافي بالوفيات» (١٦/ ٦٣٨)، و «مرآة الجنان» (١/ ٤٤٢)، و «البداية والنهاية» (١٠/ ٦٤٢).