فأما إذا أصبت بفرد عين ... فخذ من عينك الأخرى كفيلا
فقد أيقنت أنك عن قريب ... بظهر الشمس تلتمس السبيلا
فلما سمعها .. قال: احذر أن تنشد هذا أحدا.
ويحكى أن طاهرا دخل على المأمون يوما في حاجة، فقضاها له وبكى، فقال له طاهر:
لم تبكي يا أمير المؤمنين، لا أبكى الله عينك؟ قد دانت لك الدنيا، وبلغت الأماني، فقال: أبكي لا عن ذل، ولا حزن، ولكن لا تخلو نفس عن شجن، فاغتم طاهر لموجب بكائه، وكان خادم المأمون حاضرا للقضية، فأنفذ إليه طاهر مائتي ألف درهم وقال: لقد أغمني بكاء أمير المؤمنين، فتلطف في البحث عن سبب بكائه، فلما كان في بعض خلوات المأمون .. سأله الخادم عن ذلك البكاء، فقال: ما لك ولهذا ويلك، فقال: غمني بكاؤك، فقال المأمون: هو أمر إن خرج من رأسك .. أخذته، فقال: يا سيدي ومتى أبحت لك سرا؟ ! فقال: إني ذكرت أخي محمدا وما ناله من الذلة، فخنقتني العبرة، ولن يفوت طاهرا مني ما يكره، فأخبر الخادم طاهرا بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بن خالد، فقال له: إن الثناء مني ليس برخيص، وإن المعروف عندي ليس بضائع، فغيبني عن المأمون، قال: سأفعل، فبكّر إليّ غدا، وركب ابن خالد إلى المأمون وقال: لم أنم البارحة، فقال: ولم؟ قال: لأنك وليت خراسان غسانا، وهو ومن معه أكلة رأس، وأخاف أن يصطلمه مصطلم، قال: فمن ترى؟ قال: طاهر، فقال: هو خالع، فقال:
أنا ضامن له، فدعا المأمون طاهرا، وعقد له على خراسان، وأهدى له خادما كان رباه، وأمره إن رأى منه ما يريبه أن يسمه، فلما تمكن طاهر من ولاية خراسان .. قطع خطبة المأمون يوم الجمعة، فأصبح يوم السبت ميتا على فراشه، قيل: إن الخادم سمه في كامخ، وذلك في سنة سبع ومائتين، فاستخلف المأمون طلحة بن طاهر المذكور على خراسان نائبا عن أخيه عبد الله بن طاهر.
١٠٠٧ - [الواقدي](١)
أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي المدني العلامة.
(١) «طبقات ابن سعد» (٧/ ٦٠٣)، و «تاريخ بغداد» (٣/ ٢١٢)، و «المنتظم» (٦/ ١٦٦)، و «معجم الأدباء» (٦/ ٦٨٩)، و «وفيات الأعيان» (٤/ ٣٤٨)، و «سير أعلام النبلاء» (٩/ ٤٥٤)، و «تاريخ الإسلام» (١٤/ ٣٦١)، و «الوافي بالوفيات» (٤/ ٢٣٨)، و «مرآة الجنان» (٢/ ٣٦).