للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحل الناس وهم على طعام يأكلون، فقال لهم: ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين؟ ! فقالوا: انزل يا ابن اللخناء .. فكل معنا، فقال لهم: هيهات ذهب ذلك، ثم أمر بهم فجلدوا بالسياط وطيف بهم في العسكر، وأحرق فساطيط روح، فشكاه إلى عبد الملك، فقال: عليّ به، فلما دخل عليه .. قال: ما حملك على ما صنعت؟ قال:

أنا ما فعلت شيئا. قال: فمن فعل؟ قال: أنت، إنما يدي يدك، وسوطي سوطك، وما على أمير المؤمنين أن يعوض روحا عن ذلك فيما قدمني له، فعوض عبد الملك روحا ما ذهب، فكان ذلك أول ما عرف من كفاءة الحجاج.

٤٤٠ - [ابن الأشعث] (١)

عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.

بعثه الحجاج أميرا على سجستان، فثار هناك وأقبل في جمع كبير ومعه علماء وصلحاء لما انتهك الحجاج من إماتة وقت الصلاة، ولجوره وجبروته، وجرى بينه وبين الحجاج عدة وقعات، يقال: إنها ثمانون وقعة، كان النصر في غالبها للأشعث على جيش الحجاج، وكاد ابن الأشعث أن يغلب على العراق؛ فإنه اجتمع عنده ثلاثة وثلاثون ألف فارس، ومائة وعشرون ألف راجل، فقيل لعبد الملك: إن أهل العراق لا يطلبون إلا عزل الحجاج، ولو عزلته .. لصلحت نياتهم لك، فجهز جيشا عظيما من الشام، وفيهم: ابنه عبد الله، وأخوه محمد بن مروان، وقال لهم: إن قبل أهل العراق عزل الحجاج عنهم .. فاعزلوه، ويكون موضعه محمد بن مروان، وينزل ابن الأشعث حيث أمر من العراق، وهو وال عليه، وإن لم يرضهم عزله .. فهو على ولايته وعلى جميع الجيش حتى عبد الله ومحمد تحت لوائه، فعرضوا ذلك على أهل العراق فلم يقبلوه، فاجتمع عليهم جيش عبد الملك وجيش الحجاج، والتقوا بهم وابن الأشعث بدير الجماجم، فكانت الوقعة المشهورة، قتل فيها جمع من الفريقين، وانهزم ابن الأشعث وتفرق جمعه، وفر ابن الأشعث إلى الملك رتبيل ملتجئا إليه، فقال له علقمة بن عمرو: كأني بكتاب من الحجاج وقد جاء إلى رتبيل يرغبه ويرهبه حتى يبعث بك إليه أو يقتلك، ولكن ههنا خمس مائة مقاتل يقاتلون معنا، قد


(١) «المنتظم» (٤/ ٣٩٥)، و «تهذيب الكمال» (١٧/ ٣٥٩)، و «سير أعلام النبلاء» (٤/ ١٨٣)، و «تاريخ الإسلام» (٦/ ١٢٩)، و «مرآة الجنان» (١/ ١٧٥)، و «البداية والنهاية» (٩/ ٦٦)، و «تهذيب التهذيب» (٢/ ٥٤٦)، و «النجوم الزاهرة» (١/ ٢٠٨)، و «شذرات الذهب» (١/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>