الوزير الكبير، الحميد الشهير، نظام الملك قوام الدين أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي.
كان من جلة الوزراء، وكان مجلسه عامرا بالقراء والفقهاء، وأنشأ المدارس في الأمصار، ورغب في العلم، وحدث وأملى.
ولد يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وأربع مائة بطوس.
واشتغل في ابتداء أمره بالحديث والفقه، ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ، فكان يكتب له، ثم قصد داود بن ميكائيل السلجوقي والد السلطان ألب أرسلان، فظهر له منه النصح والمحبة، فسلمه إلى ولده المذكور وقال: اتخذه والدا، ولا تخالفه فيما يشير به، فلما توفي داود، وملك ولده المذكور .. دبر نظام الملك أمره فأحسن تدبيره، وأحيا السنة، وأمات البدعة التي كانت في أيام الوزير عميد الملك، وبقي في خدمته عشر سنين، ثم توفي ألب أرسلان المذكور، فازدحم أولاده على الملك، ثم آل أمر المملكة لولده ملك شاه، فصار الأمر كله للنظام، وليس للسلطان إلا التخت والصيد، فأقام على ذلك عشر سنين.
وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والصوفية، وكان كثير الإحسان إليهم لا سيما الصوفية، فسئل عن سبب ذلك فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غدا، فلم أعلم معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء، فغلبه السكر، فخرج وحده ولم تعرفه الكلاب، فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك، فأنا أخدم الصوفية لعلّي أظفر بمثل ذلك.
وكان إذا سمع الأذان .. أمسك عن جميع ما هو فيه.
وكان إذا قدم عليه أبو المعالي إمام الحرمين وأبو القاسم القشيري صاحب «الرسالة» ..
بالغ في إكرامهما، وأجلسهما معه في مقعده.
(١) «الكامل في التاريخ» (٨/ ٣٥٤)، و «وفيات الأعيان» (٢/ ١٢٨)، و «سير أعلام النبلاء» (١٩/ ٩٤)، و «تاريخ الإسلام» (٣٣/ ١٤٢)، و «العبر» (٣/ ٣٠٩)، و «الوافي بالوفيات» (١٢/ ١٢٣)، و «مرآة الجنان» (٣/ ١٣٥)، و «البداية والنهاية» (١٢/ ٦١٧)، و «شذرات الذهب» (٥/ ٣٦٢).