وسمع جمعا من الصحابة: أنسا، وابن عمر، وسمرة، وأبا بكرة، وقيس بن عاصم وغيرهم.
يقال: إنه أدرك مائة وثلاثين صحابيا.
وكان رضي الله عنه جامعا بين العلم والعبادة، والزهد والنسك، فصيحا، جميلا وسيما، لا تأخذه في الله لومة لائم، وله مع الحجاج وقعات عظيمة، واجهه فيها بكلام صادع، وسلمه الله من شره، وحضر الحجاج يوما مجلس وعظه، فلم يغير الحسن من عادته في كلامه وهيئته شيئا، فلما فرغ .. قال الحجاج: صدق الشيخ، عليكم بهذه المجالس، ولولا ما ابتلينا به من هذا الأمر .. لم تغلبونا عليها.
ودخل هو وابن سيرين والشعبي على عمر بن هبيرة أيام ولايته خراسان والعراق باستدعاء منه لهم، فقال لهم: إن يزيد استخلفه الله على عباده، وأخذ عليهم الميثاق بطاعته، وأخذ عهودنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون، فيكتب لي بالأمر من أموره فأقلده ما تقلده من ذلك الأمر، فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه تقية، وقال الحسن: يا بن هبيرة؛ خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله؛ فإن الله يمنعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله، فيوشك أن يبعث الله إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، ثم لا ينجيك إلا عملك، يا بن هبيرة؛ إياك أن تعصي الله؛ فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرا لدين الله وعباده، فلا تركبن دين الله وعباده بهذا السلطان؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، فأجازهم ابن هبيرة، وأضعف جائزة الحسن.
قال الشعبي: سفسفنا له فسفسف لنا، والسفساف: الرديء من العطية.
توفي الحسن سنة عشر ومائة.
٥٣٩ - [محمد بن سيرين](١)
محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم أبو بكر البصري التابعي، الإمام الجليل في التفسير والحديث والفقه وتعبير الرؤيا، المقدم في الزهد والورع.
(١) «طبقات ابن سعد» (٩/ ١٩٢)، و «المعارف» (ص ٤٤٢)، و «المنتظم» (٤/ ٦٠٥)، و «تهذيب الأسماء واللغات» (١/ ٨٣)، و «وفيات الأعيان» (٤/ ١٨١)، و «تهذيب الكمال» (٢٥/ ٣٤٤)، و «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٦٠٦)، و «تاريخ الإسلام» (٧/ ٢٣٩)، و «مرآة الجنان» (١/ ٢٣٢)، و «البداية والنهاية» (٩/ ٣٢١)، و «تهذيب التهذيب» (٣/ ٥٨٥)، و «شذرات الذهب» (٢/ ٥٢).