وكان ورعا صالحا عابدا كبير الشأن، تصدر للإقراء والفقه، فأخذ عنه القراءة الإمامان الجليلان: محمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري وغيرهما من الأئمة.
وروى عنه الإمام مسلم في «صحيحه»، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو عبد الله بن ماجه وغيرهم من الأئمة.
قال يونس: قال لي الشافعي: دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: ما رأيت الدنيا، ولا رأيت الناس.
توفي بمصر سنة أربع وستين ومائتين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، مذكور في الأصل.
١٢٨٨ - [الإمام المزني](١)
أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي الإمام.
كان زاهدا عابدا ورعا مجتهدا محجاجا غواصا على المعاني الدقيقة، مجاب الدعوة، إذا فاتته صلاة الجماعة .. صلّى منفردا خمسا وعشرين صلاة؛ استدراكا لفضيلة الجماعة.
ومن ورعه: أنه كان لا يشرب إلا في كوز نحاس؛ لما بلغه أنهم يستعملون السرجين في الكيزان، والنار لا تطهر ذلك.
لمّا دخل القاضي بكار بن قتيبة إلى مصر فتولى القضاء .. توقع الاجتماع بالمزني مدة، فلم يتفق له، فاجتمعا يوما في صلاة جنازة، فقال القاضي لبعض أصحابه: سل المزني شيئا حتى أسمع كلامه، فقال له ذلك الشخص: يا أبا إبراهيم؛ جاء في الحديث تحريم النبيذ، وجاء تحليله، فلم قدمتم التحريم على التحليل؟ فقال المزني: لم يذهب أحد من العلماء إلى أن النبيذ كان حراما في الجاهلية ثم حلل، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا، فهذا يعضد صحة الأحاديث بالتحريم، فاستحسن ذلك منه.
قيل: وهذا من الأدلة القاطعة.
وكان رحمه الله إمام الشافعية وأعرفهم بطرق الشافعي وفتاويه وما ينقله عنه.
(١) «الجرح والتعديل» (٢/ ٢٠٤)، و «وفيات الأعيان» (١/ ٢١٧)، و «سير أعلام النبلاء» (١٢/ ٤٩٢)، و «تاريخ الإسلام» (٢٠/ ٦٥)، و «الوافي بالوفيات» (٩/ ٢٣٨)، و «مرآة الجنان» (٢/ ١٧٧)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (٢/ ٩٣)، و «شذرات الذهب» (٣/ ٢٧٨).