في الطين وابنه عبد المؤمن المذكور صبي صغير نائم تجاهه؛ إذ سمع دويا من السماء، فرأى سحابة سوداء من النحل قد هوت مطبقة على الدار، فنزلت كلها مجتمعة على عبد المؤمن وهو نائم، فغطته ولم يظهر من تحتها، ولا استيقظ لها، ثم طار عنه النحل بأجمعه ولم يجد به أثرا، ولم يجد به ألما، فسأل أبوه رجلا معروفا بالزجر عن ذلك فقال:
يوشك أن يكون له شأن يجتمع على طاعته أهل المغرب، فقام نائبا عن محمد بن تومرت المعروف بالمهدي، فكان من أمره ما اشتهر، وكان ابن تومرت قد ظفر بكتاب يقال له:
«الجفر» بفتح الجيم، ثم فاء ساكنة، ثم راء، وفيه ما يكون على يده، وقضية عبد المؤمن، وحليته واسمه وغير ذلك.
حاصر عبد المؤمن مراكش أحد عشر شهرا، ثم افتتحها، واستوسق له الأمر، وامتد ملكه إلى المغرب الأقصى والأدنى، وبلاد إفريقية، وكثير من بلاد الأندلس، وسمي: أمير المؤمنين، وقصدته الشعراء بالمدائح الحسنة.
ولما أنشده بعض الفقهاء: [من البسيط]
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل ... مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي
.. أشار إليه أن يقتصر على هذا البيت، وأمر له بألف دينار.
ولما تهمدت البلاد والقواعد، وانتهت أيامه .. خرج من مراكش إلى مدينة سلا، فأصابه مرض شديد، وتوفي بها سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، وعهد إلى ولده محمد، فاضطرب أمره، وأجمعوا على خلعه، وبويع أخوه يوسف.
وكان عبد المؤمن ملكا عادلا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، يقرأ في كل يوم سبعا، ويصوم الاثنين والخميس، ويجتنب لبس الحرير، ويهتم بالجهاد والنظر في الأمور، كأنما خلق للملك.
٢٤٥٣ - [أبو منصور الديلمي] (١)
شهردار بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني أبو منصور بن أبي شجاع الحافظ ابن الحافظ.
(١) «طبقات الشافعية» لابن الصلاح (١/ ٤٨٤)، و «سير أعلام النبلاء» (٢٠/ ٣٧٥)، و «العبر» (٤/ ١٦٤)، و «الوافي بالوفيات» (١٦/ ١٩٣)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (٧/ ١١٠)، و «شذرات الذهب» (٦/ ٣٠٥).