وهو أحد قراء البصرة، وانتقل إلى خراسان، وولي القضاء بمرو، وكان عالما بالقرآن العظيم والنحو واللغة، أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي، وكان ممن يقول بتفضيل أهل البيت على غيرهم، ومن غير تنقيص لذي فضل من غيرهم.
حكي أن الحجاج بن يوسف أشخصه من خراسان، فلما وقف بين يديه .. قال له: أنت الذي تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: والله؛ لألقينّ الأكثر منك شعرا أو لتخرجن من ذلك، قال: فهو أماني إن خرجت؟ قال: نعم، قال: فإن الله جل ثناؤه يقول: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ} إلى قوله تعالى: {كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ} وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلّى الله عليه وسلم، فقال الحجاج: ما أراك إلا قد خرجت، والله؛ لقد قرأتها وما علمت بها قط، فلله دره ما أحسن استنباطه مع شدة التهديد ممن يفرط في الوعيد، فقال له الحجاج: أين ولدت؟ فقال:
بالبصرة، قال: أين نشأت؟ قال: بخراسان، قال: فأنّى لك هذه العربية؟ قال: رزق من الله، قال له الحجاج: هل ألحن؟ فسكت، فقال: أقسمت عليك، قال: أما إذا سألتني؛ فإنك ترفع ما يوضع، وتضع ما يرفع، قال الحجاج: ذلك والله اللحن السيّء، ويقال: إنه قال ليحيى بن يعمر: أتسمعني ألحن في القرآن؟ قال: نعم في حرف واحد:
{قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ} إلى قوله تعالى: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} فترفع (أحب)، قال الراوي: كأنه لما طال الكلام .. نسي ما بدأ به، فقال الحجاج: لا جرم لا تسمع لي لحنا، ثم كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان: إذا جاء كتابي هذا ..
فاجعل يحيى بن يعمر على قضائك والسلام.
توفي يحيى سنة ثمان وعشرين ومائة.
٦٢٢ - [أبو عمران الجوني](١)
أبو عمران الجوني، واسمه: عبد الملك بن حبيب الكندي-ويقال: الأزدي-البصري.
(١) «طبقات ابن سعد» (٩/ ٢٣٧)، و «الجرح والتعديل» (٥/ ٣٤٦)، و «سير أعلام النبلاء» (٥/ ٢٥٥)، و «تاريخ الإسلام» (٨/ ١٦٨)، و «تهذيب التهذيب» (٢/ ٦٠٩)، و «شذرات الذهب» (٢/ ١٢٣).