للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها، ثم سار من فوره راجعا إلى بلده، فبعث السلطان عبد الرحمن إلى ابن أخيه بشيء من المال يعطيه الفقيه يتزود به، فلما أخبر الفقيه بذلك .. قال: لا حاجة لي بشيء إلا منك، فالذي أريده منك كذا وكذا زادا، وكذا وكذا من الحوائج، فأخذ له حاجته بمبلغ زهيد، فلما وصل منزله .. أبرك جمله على باب بيته، ونزل منه، فانعسفت رجله، فلم يدخل إلى بيته إلا محمولا، ومرض أياما، ثم توفي على رأس ستين وست مائة (١)، وتأمل فقهاء عصره تلك الحكومات التي استبرأ منها، فوجدوه قد حكم في كلها بظاهر الشرع، إلا أن الورع يتردد في صحتها باطنا.

٣١٠١ - [علوان الجحدري] (٢)

أبو منصور علوان بن عبد الله بن سعيد الجحدري، ثم المذحجي نسبا، الكردي لقبا.

كان قيلا من أقيال اليمن، وأوحد أعيان رؤساء الزمن، شجاعا مقداما، مطعاما مطعانا، عزيز الجار، رحيب الدار، عفيف الإزار، منيع الذمار، ملك حجرا ونواحيها، وتغلب على حصونها: العروسين ووعل والنويرة ونعمان شرقي الجند، وحارب ملوك الغز، فلم يظفروا منه بطائل.

وكان شاعرا فصيحا، وهو القائل أيام قتال المنصور: [من البسيط]

من تاب عن حرب نور الدين من جزع ... فإنني عنه ما عمّرت لم أتب

فلما طال عليه الحصار من المنصور .. باع حصونه عليه بمال جزيل، وأضمر المنصور أنه إذا نزل من الحصن .. أسره، واستعاد منه ما قبض من المال، فنزل متنكرا مع النساء، وترك خلفه من يجهز ما في الحصن ويتبعه به، وقد كتب له عدة علامات، فصار النائب يكتب تحتها بما شاء إلى السلطان وغيره، فلما فرغ ما في الحصن .. نزل نائبه، ثم سئل عن الشيخ فقال: هو أول من نزل مع الحريم-كما نقل عن جوهر المعظمي حين باع الدّملوة على سيف الإسلام طغتكين بن أيوب (٣) -ولم يزل المنصور يسعى في لزومه حتى اتفق له ذلك، فأتي به إليه أسيرا، فحبسه في حصن حب مدة، فكان يدعو الله تعالى ويتضرع إليه خلف كل


(١) في «تاريخ شنبل» (ص ٩٨)، و «جواهر تاريخ الأحقاف» (٢/ ١٣١) توفي سنة (٦٦٢ هـ‍).
(٢) «السلوك» (٢/ ١٩٤)، و «العقود اللؤلؤية» (١/ ١٣٨)، و «طراز أعلام الزمن» (٢/ ٢٠٦)، و «تحفة الزمن» (١/ ٥٠١).
(٣) انظر ما نقل عن جوهر المعظمي في ترجمته (٤/ ٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>