الحمد لله الباقي بعد فناء خلقه، المانّ عليهم بإدرار رزقه، الموجب عليهم القيام بأداء حقه، كل شي هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه يرجع الأمر كله، لا مطمع في البقاء لسواه سبحانه، وبيده إبرام الأمر وحلّه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عذب بالتوحيد لسانه، واطمأن إلى الإخلاص فيه جنانه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث خاتما للرسل، موضحا للسبل، فجاء بملة هي خير الملل، وجاهد في الله قام الحق واعتدل.
صلّى الله وسلم عليه، وزاده فضلا وشرفا لديه، وعلى آله الذين طهّرهم من الرجس تطهيرا، وعلى صحابته الذين دمّر بهم الكفر وأهله تدميرا، وعلى التابعين لهم بإحسان، ما تعاقبت الدهور والأزمان.
أما بعد:
فإنه لما كان التاريخ طريقا إلى العلم بحال من درج من القرون الماضية، ووسيلة إلى حفظ أخبارهم وحوادثهم الجارية، وكان في ذلك عبرة لمن اعتبر، وعظة واضحة لمن ادّكر؛ لما يقف عليه فيه من تقلب الدهور، وتغير الأحوال والأمور .. أردت أن أجمع فيه مجموعا لائقا، وأنموذجا فائقا، فجرّدت في ذلك عزمي، وصرفت إلى تحصيله همّي، فجاء بحمد الله تأليفا وافيا، وترصيفا كافيا، سلكت فيه طريق التوسط بين الإطناب الممل والإيجاز المخل، ورتبته على السنين، مبتدئا بأول سنة من هجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم، جاعلا كل مائة منها خمس طبقات، ذاكرا في كل عشرين من طبقاتها تراجم أهلها، محررا كل ترجمة غالبا بتلخيصها من أصلها، مبتكرا لإنشائها نادرا أو معولا على نقلها، مقدما غالبا من وقفت على تاريخ وفاته، معقبا له بذكر من جهلت وقت مماته، معيدا تلك