عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجنادها مائتي ألف دينار، فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه سنة اثنتين وثمانين ومائتين وعمره اثنتان وثلاثون سنة.
وكان شهما صارما، وقتل قاتلوه، وحمل تابوته إلى مصر، ودفن عند أبيه بسفح المقطم، وكان من أحسن الناس خطا.
١٣٣٦ - [أبو العيناء اللغوي](١)
أبو العيناء محمد بن القاسم البصري الضرير اللغوي الأخباري، صاحب النوادر والشعر والأدب.
سمع من أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، والعتبي وغيرهم، وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لسانا، ومن ظرفاء العالم، وفيه من الذكاء وسرعة الجواب ما ليس لأحد من نظرائه.
حضر مجلس بعض الوزراء، فجرى ذكر البرامكة وما كانوا عليه من الجود، فقال الوزير لأبي العيناء وقد بالغ في وصفهم: قد أكثرت من ذكرهم، وإنما هذا تصنيف الوراقين، وكذب المؤلفين، فقال له أبو العيناء: فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير؟ فسكت الوزير، وعجب الحاضرون من إقدامه عليها.
وشكا إلى الوزير عبيد الله بن سليمان سوء الحال، فقال: أليس قد كتبنا لك إلى فلان في أمرك؟ قال: نعم، قد كتبت لي إلى رجل قصر من همته طول الفقر، وذل الأسر، ومعاناة الدهر، فأخفق سعيي، وخابت طلبتي، فقال عبيد الله: أنت اخترته، فقال:
وما علي أيها الوزير في ذلك وقد اختار موسى سبعين رجلا، فما كان منهم رشيد، واختار النبي صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي سرح كاتبا، فرجع إلى المشركين مرتدا، واختار علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري حكما له، فحكم عليه؟ !
وأشار بقوله:(وذل الأسر) إلى أن المكتوب إليه كان أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة وسجنه، فنقب السجن وهرب.
(١) «المنتظم» (٧/ ٢٨٤)، و «الكامل في التاريخ» (٦/ ٤٨٨)، و «تاريخ الإسلام» (٢١/ ٢٨٦)، و «العبر» (٢/ ٧٥)، و «مرآة الجنان» (٢/ ١٩٦)، و «شذرات الذهب» (٣/ ٣٣٧).