للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوما مائة ألف درهم ليشتري بها نفسه من عذاب ذلك اليوم، فدخل عليه الأخطل الشاعر فأنشده: [من الطويل]

أبا خالد بادت خراسان بعدكم ... وقال ذوو الحاجات أين يزيد

فلا نظر الراءون بعدك منظرا ... ولا اخضر بالمروين بعدك عود

فما لسرير الملك بعدك بهجة ... ولا لجواد بعد جودك جود (١)

فأعطاه المائة ألف، ووطن نفسه على الصبر لعذاب ذلك اليوم، فبلغ الحجاج ذلك فقال: أكل هذا الكرم وأنت بهذه الحالة؟ ! قد وهبت لك عذاب اليوم وما بعده.

قال ابن خلكان: (أجمع علماء التاريخ على أنه لم يكن في أيام بني أمية أكرم من بني المهلب، كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكة) (٢).

ولما قتل يزيد في المعركة .. عمد ابنه معاوية فأخرج من الحبس عدي بن أرطاة وجماعة فذبحهم صبرا، ولما حمل رأس يزيد بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك .. نال منه جلساؤه، فقال: مه؛ إن يزيد طلب جسيما، وركب عظيما، ومات كريما.

٥٠٩ - [يزيد بن أبي مسلم الثقفي] (٣)

يزيد بن أبي مسلم الثقفي، مولى الحجاج بن يوسف وكاتبه.

وكان فيه كفاية ونهضة، ولما حضرت الحجاج الوفاة .. استخلفه بالعراق، فأقره الوليد بن عبد الملك، وقال الوليد يوما مشيرا إلى كفايته وقيامه فيما ولي: مثلي ومثل الحجاج وابن أبي مسلم كرجل ضاع له درهم فوجد دينارا، ولما مات الوليد وولي سليمان .. عزل يزيد المذكور، واستحضره فرآه دميما، كبير البطن، قبيح الوجه، فقال:

لعن الله من أشركك في أمانته، وحكمك في دينه، فقال: يا أمير المؤمنين؛ لا تقل ذاك؛ فإنك رأيتني والأمور مدبرة عني، فلو رأيتني وهي مقبلة .. لاستعظمت ما استصغرت، ولاستجللت ما احتقرت، فقال سليمان: قاتله الله ما أسد عقله، وأعضب لسانه (٤)! ثم قال


(١) لم نجد هذه الأبيات في ديوان الأخطل، وقد عزاها ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٥٧/ ١٧٢) إلى الفرزدق، وهي في «ديوانه» (١/ ١٥٣)، والله أعلم.
(٢) «وفيات الأعيان» (٦/ ٢٨٣).
(٣) «تاريخ الطبري» (٦/ ٦١٧)، و «الكامل في التاريخ» (٤/ ١٤٦)، و «وفيات الأعيان» (٦/ ٣٠٩)، و «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٥٩٣)، و «تاريخ الإسلام» (٧/ ٢٨٢)، و «مرآة الجنان» (١/ ٢١٢)، و «شذرات الذهب» (٢/ ١٨).
(٤) لسان عضب: ذليق حاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>