تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب ابن دقيق العيد القشيري الشافعي، شيخ الإسلام، صاحب «الإلمام» و «شرح العمدة» وكتاب «الإمام».
روى عن ابن الجميزي وغيره.
وكان رأسا في العلم والعمل، عديم النظير، أجل علماء وقته قدرا، وأكثرهم علما ودينا، وورعا واجتهادا في طلب العلم ونشره ليلا ونهارا مع كبر سنه وشغله بالحكم.
ولد بينبع من أرض الحجاز في شعبان سنة خمس وعشرين وست مائة، ونشأ بمصر، واشتغل أولا بمذهب الإمام مالك، ودرس فيه بقوص، ثم اختار مذهب الإمام الشافعي، فانتقل إليه، واشتغل به، وتبحر فيه حتى بلغ فيه الغاية بحيث قيل: إنه آخر المجتهدين، وبرع في علوم كثيرة سيما علم الحديث، ورحل إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على علمه وزهده وورعه الاتفاق.
وله الاعتقاد الحسن في المشايخ وأهل الصلاح، قال الشيخ اليافعي في «تاريخه»:
(حتى بلغني أنه كان يزور بعض المشايخ، فإذا بلغ بابه .. نزل عن البغلة، ونزع الطيلسان والعمامة، ودخل عليه بطاقية على رأسه، قال: ومن المشهور أنه ركبته ديون، فرحل إلى الشيخ الكبير ابن عبد الظاهر، فلما سلم عليه .. قدم له الشيخ مأكولا ومن جملته سميط، وكان من عادته لا يأكل السميط؛ لأنه يشوى وفيه أثر الدم، فقال له تلميذه: يا سيدي؛ هذا سميط، فقال له: ليس هذا موضع ذاك؛ يعني: الموضع الذي ينكره ويترك أكله فيه، يريد أن هذا موضع موافقة الشيخ في كل ما يفعله، فأكل من ذلك، فلما فرغ .. قدم الفقراء آلة السماع، وكان من عادته لا يحضر السماع، فقال له التلميذ: يا سيدي؛ أراهم قد قدموا آلة السماع، فقال: اسكت، ما هذا موضع ذاك؛ يعني: ما قدمنا ذكره من عدم الإنكار واستعمال الاحترام والتسليم، فسمع الفقراء بحضوره وهو ساكت، فلما انقضى
(١) «الإعلام بوفيات الأعلام» (ص ٢٩٤)، و «معجم الشيوخ» (٢/ ٢٤٩)، و «الوافي بالوفيات» (٤/ ١٩٣)، و «مرآة الجنان» (٤/ ٢٣٦)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (٩/ ٢٠٧)، و «البداية والنهاية» (١٤/ ٤٣٥)، و «الديباج المذهب» (٢/ ٢٩٧)، و «الدرر الكامنة» (٤/ ٩١)، و «النجوم الزاهرة» (٨/ ٢٠٦)، و «شذرات الذهب» (٨/ ١١).