للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الإخشيذ .. أنف فاتك من الإقامة بمصر؛ كيلا يكون كافور أعلى رتبة منه، ويحتاج إلى أن يركب في خدمته، وكانت الفيوم وأعمالها إقطاعا له، فانتقل إليها واتخذها سكنى له، وهي بلاد وبيئة كثيرة الوخم (١)، فلم يصح له بها جسم، وكان كافور يخافه ويكرمه؛ فزعا منه، وفي نفسه منه ما فيها، فاستحكمت العلة في جسم فاتك، وأحوجته إلى الدخول إلى مصر للمداواة، فدخلها وبها المتنبي ضيفا للأستاذ كافور، وكان يسمع بكرم فاتك وكثرة سخائه، غير أنه لا يقدر على قصد خدمته؛ خوفا من كافور، وفاتك يسأل عنه ويراسله بالسلام، فالتقيا في الصحراء مصادفة من غير ميعاد، وجرى بينهما مفاوضات، فلما رجع فاتك إلى داره .. حمل للمتنبي من ساعته هدية قيمتها ألف دينار، ثم أتبعها بهدايا بعدها، فاستأذن المتنبي كافورا في مدحه، فأذن له، فمدحه بقصيدة من غرر القصائد أولها: [من البسيط]

لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

وما أحسن قوله فيها:

كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس قلت وما للشمس أمثال (٢)

توفي فاتك بعد خروج المتنبي من مصر في سنة خمسين وثلاث مائة، ولما بلغ المتنبي وفاته .. رثاه بقصيدة أولها: [من الكامل]

الحزن يقلق والتّجمّل يردع ... والدمع بينهما عصيّ طيّع

إني لأجبن من فراق أحبتي ... وتحسّ نفسي بالحمام فأشجع

ويزيدني غضب الأعادي قسوة ... ويلمّ بي عتب الصديق فأجزع

تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عمّا مضى منها وما يتوقّع

ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع (٣)

١٥٨٤ - [قاضي الحرمين] (٤)

أبو الحسين أحمد بن محمد النيسابوري، شيخ الحنفية، وقاضي الحرمين في عصره.


(١) الوخم: شيء وخم؛ أي: وبيء، وبلدة وخمة إذا لم توافق ساكنها.
(٢) «ديوان المتنبي» (٣/ ٢٧٦).
(٣) «ديوان المتنبي» (٢/ ٢٦٨).
(٤) «الجواهر المضيّة» (١/ ٢٨٤)، و «سير أعلام النبلاء» (١٦/ ٢٥)، و «تاريخ الإسلام» (٢٦/ ٥٠)، و «العبر» (٢/ ٢٩٦)، و «شذرات الذهب» (٤/ ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>