ثم دخل الزنج البصرة في شوال من السنة المذكورة، وخربوا جامعها، وقتلوا بها اثني عشر ألفا، قتلوا الرجال والنساء والصبيان وسبوهم، ثم نادوا بالأمان حتى ظهر من اختفى فقتلوهم، وأحرقوا الكلأ من الجبل إلى الجسر، وأخذت النار كل شيء مرت عليه من إنسان وبهيمة ومتاع، وألحوا في القتل حتى لم يروا أحدا، ولم يزل أمر الخبيث يستفحل، والخطب يتعاظم، والأمور به تتفاقم إلى أن قتله الله على يدي أبي أحمد الموفق في سنة سبعين ومائتين بعد حروب طويلة هائلة وقعت بينهما، قد ذكرناها في مواضعها.
وكان خارجيا بغيضا، يسب عثمان وعليا ومعاوية وعائشة رضي الله عنهم، بل قيل:
كان زنديقا يتستر بمذهب الخوارج.
١٢٩٨ - [أحمد بن طولون](١)
أحمد بن طولون بضم الطاء المهملة واللام وبعد الطاء واللام واوان ساكنتان وآخره نون، وهو اسم تركي.
كان أبوه طولون من مماليك المأمون، وكان أحمد المذكور كريما جوادا شجاعا مهيبا لبيبا، ولاه المعتز بالله مصر، ثم استولى على دمشق والشام أجمع وأنطاكية والثغور في مدة اشتغال الموفق بن المتوكل، وكان نائبا عن أخيه المعتمد بن المتوكل.
كان ابن طولون حسن السيرة، نافذ البصيرة، يباشر الأمور بنفسه ويعمر البلاد، ويتفقد أحوال الرعايا ويصلح الفساد، ويحب أهل العلم ويحسن فيهم الاعتقاد، وكان يحفظ القرآن الكريم ويكثر تلاوته مع حسن صوته، وكان له كل يوم مائدة يحضرها الخاص والعام، ويتصدق في كل شهر بألف دينار، فقال له وكيله: تأتيني المرأة وعليها الإزار وفي يدها خاتم الذهب فتطلب مني أفأعطيها؟ قال: من مد يده إليك .. فأعطه.
وبنى الجامع المنسوب إليه بين القاهرة ومصر.
قال القضاعي: وكان مع ذلك طائش السيف، أحصي من قتله صبرا ومن مات في سجنه فكانوا ثمانية عشر ألفا.
وتوفي سنة سبعين ومائتين.
(١) «المنتظم» (٧/ ١٨٧)، و «وفيات الأعيان» (١/ ١٧٣)، و «سير أعلام النبلاء» (١٣/ ٩٤)، و «تاريخ الإسلام» (٢٠/ ٤٦)، و «الوافي بالوفيات» (٦/ ٤٣٠)، و «مرآة الجنان» (٢/ ١٨٢)، و «شذرات الذهب» (٣/ ٢٩٥).