أبو الفرج عبد الرحمن بن المصوع، من بيت علم، وغلب عليه الأدب والتجارة مع النسك والعبادة.
قال الجندي: (أخبرنا الفقيه محمد بن عمر صنو الفقيه صالح بن عمر البريهي، عن أبيه -وكان ممن طعن في السن-أن عمه قال: أخبرني الفقيه عبد الرحمن بن المصوع: أنه صلّى ذات ليلة العشاء في جماعة المسجد، ثم انقلب إلى أهله، فأتته امرأته وهي متطيبة فطلبها، فاعتذرت عن الإتيان، فتركها ونام قبل أن تأتيه، ثم لم يشعر إلا وهي تكبسه، فاستيقظ وجذبها إليه ليواقعها، فقالت: الآن كما فرغنا، فتشوّش الفقيه من ذلك القول وقام عنها، وأرّخ تلك الليلة، وامتنع من إتيانها وجماعها، فلما كان على انتهاء تسعة أشهر .. وضعت صبيا لم يكن في البلد أكثر شيطنة منه لا سيما في أوقات الصلاة، وكان كثير البول على من حمله خصوصا إذا كان من أهل الصلاة، وقلّ أن يبول إلا في مواضع الصلاة، وكان الفقيه قد عرف قلّ توفيقه وأنه سبقة من الشيطان، ولم يتكلم، فلما صار الصبي يمشي وقد فطم من الرضاع .. تركته أمه في المجلس يلعب والفقيه قائم يصلي الضحى، والولد قبالة طاقة من طيقان المجلس؛ إذ سمع الفقيه شخصا ينادي من الطاقة: يا قدار يا قدار، فأجابه الصبي بكلام فصيح: لبيك لبيك، قال: كيف أنت؟ قال: بخير وعلى خير، يكرمونني ويغذونني غذاء جيدا، فقال له: لا تكن إلا كما أعرف، ولا تتركهم يصلّون على طاهر، ولا تترك لهم ثوبا طاهرا ولا موضعا طاهرا حسبما أشكرك، فقال الصبي: السمع والطاعة، فودّعه الشخص ومضى، ولم يره الفقيه؛ لأنه كان يناجيه من خارج الطاقة، فلما فرغ الفقيه من صلاته .. صاح بالصبي: يا قدار؛ اذهب أذهبك الله، فنفر الصبي كأنه طائر، وخرج من تلك الطاقة التي حدثه الشخص منها، فلما سألت المرأة عن ابنها ..
أخبرها الفقيه بقصته، فقالت: لو قلت لي يوم ولدته .. لكنت قتلته، فقال الفقيه: قد كفى الله شره وقلعه.
ثم إن الفقيه بعد مدة سنين نزل إلى عدن بفوّة ليبيعها، فلما صار بالمفاليس .. لقيه جباة المكس هنالك وفيهم شاب جميل الخلق، فلما رأى الفقيه .. سلّم عليه سلام معرفة،
(١) «السلوك» (١/ ٤٧٢)، و «طراز أعلام الزمن» (٢/ ٧٤)، و «تحفة الزمن» (١/ ٣٨٣)، و «تاريخ ثغر عدن» (٢/ ١٢٤).