للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قوته من غزل أخت له رغيفا في كل يوم بقليل سمن أو زيت، ولم ينتقل عن هذا حين كثرت عليه الدنيا، ورأى أصحابه يوما وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموا، فأمر بضم جميعه، وأحرقه وقال: من كان يبتغي الدنيا .. فما له عندي إلا ما رأى، ومن يبتغي الآخرة .. فجزاؤه على الله تعالى، وكان على خمول زيّه وبسط وجهه مهيبا منيع الحجاب إلا عند مظلمة، وله رجل يختص بخدمته والإذن عليه.

قال صاحب كتاب «المغرب في أخبار أهل المغرب» في حقه: [من الكامل]

آثاره تنبيك عن أخباره ... حتى كأنك بالعيان تراه

قدم في الثرى، وهمة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا.

وكان ابن تومرت كثيرا ما ينشد: [من الطويل]

تجرد عن الدنيا فإنك إنما ... خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد

وله شعر ومنه: [من المتقارب]

أخذت بأعضادهم إذ نأوا ... وخلّفك القوم إذ ودعوا

فكم أنت تنهى ولا تنتهي ... وتسمع وعظا ولا تسمع

فيا حجر الشّحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع

وذكر بعض المؤرخين أنه ادعى الإمامة، وأنه معصوم، قال: وكان على طريقة مثلى لا ينكر معها العصمة؛ فإنه لم يزل على حال واحدة من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر، وكان ربما كاشف أصحابه، ووعدهم بأمور فتوافق، غير أنه أفسد بادعاء كونه المهدي، وبتسرعه في الدماء.

قيل: إنه كان حاذقا في ضرب الرمل.

ولم يفتح شيئا من البلاد، وإنما قرر القواعد ومهدها، ورتبها ووطدها، وكانت الفتوح على يد عبد المؤمن.

٢٢٤٧ - [حمّاد بن مسلم الدّبّاس] (١)

أبو عبد الله حمّاد بن مسلم الدباس الشيخ الكبير، الولي الشهير.


(١) «المنتظم» (١٠/ ٢٤٦)، و «سير أعلام النبلاء» (١٩/ ٥٩٤)، و «تاريخ الإسلام» (٣٦/ ١٢٨)، و «العبر»

<<  <  ج: ص:  >  >>