للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السنة الثامنة عشرة بعد المائتين]

فيها: امتحن المأمون العلماء بالقول بخلق القرآن، فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم، وأمره بامتحان الفقهاء والقضاة والمحدثين، وأمره بإشخاص جماعة منهم إليه وهو بالرقة، وبالغ في ذلك، وقام في هذه البدعة قيام متعبّد بها، وقال في آخر كتابه: من لم يرجع عن شركه .. يسفك دمه، فأما بشر بن الوليد .. فابعث برأسه إلي، وكذلك إبراهيم بن الحسن، واحمل الباقين في قيود وأغلال، فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه، وتوقف طائفة، ثم أجابوا وناظروا، فلم يلتفت إلى قولهم، وعظمت المصيبة على ذلك، وتهدد على ذلك بالقتل، ولم يقف ويثبت من علماء العراق إلا أحمد ابن حنبل ومحمد بن نوح، فشدّا في الحديد، ووجّها إلى المأمون، قيل: وثبت معهما أيضا القواريري وسجادة، فحملا معهما في الحديد إلى المأمون وهو بطرسوس، وبلغ المأمون أن الذين أجابوا إلى القول بخلق القرآن تأوّلوا قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} فقال: أخطئوا، إنما هذه لمن كان معتقدا للإيمان مظهرا للشرك، فأما من كان معتقدا للشرك مظهرا للإيمان .. فليست له، ثم أمر بحملهم أجمعين مقيدين، فحملوا نحو عشرين رجلا، منهم بشر بن الوليد، فلما بلغوا الرقة .. جاءهم الفرج بوفاة المأمون، فردّوا إلى بغداد (١).

ولما توفي المأمون عهد بالخلافة إلى أخيه المعتصم.

وفيها: قوي أمر الخرّميّة بالجبال، ودخل في دينهم خلق كثير من أهل همذان وأصفهان وماسبذان، وتجمعوا، وعسكروا في أعمال همذان، فندب المعتصم لحربهم إسحاق بن إبراهيم أمير بغداد، وعقد له على الجبال، فالتقاهم بهمذان، فكسرهم، وقتل منهم ستين ألفا، وقيل: مائة ألف، وهرب باقيهم إلى بلاد الروم (٢).

وفيها: توفي أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري الحميري اليمني المعافري- صاحب المغازي، الذي هذب السيرة ولخصها-في شهر رجب من السنة المذكورة.

وفيها: توفي بشر المريسي رأس الضلال، الداعي إلى البدع القبيحة من القول بخلق


(١) «تاريخ الطبري» (٨/ ٦٣١)، و «المنتظم» (٦/ ٢٦٧)، و «الكامل في التاريخ» (٥/ ٥٧٢).
(٢) «تاريخ الطبري» (٨/ ٦٦٧)، و «المنتظم» (٦/ ٢٧٨)، و «الكامل في التاريخ» (٦/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>