صلاة في الخلاص من حبسه، فرأى في النوم من يقول له: ادع الله بهذه الكلمات:
اللهم؛ إني أسألك بما ألهمت به عيسى من معرفتك، وما علمته من أسمائك التي صعد بها إلى سمائك، وبما علمته من ربوبيتك ووحدانيتك؛ إلا فككت أسري برحمتك، فلم يزل يكرر ذلك الدعاء حتى أطلقه الله، ورد عليه حصونه كلها.
ولما توفي المنصور، ونزل المظفر من تهامة، وحط على حصن تعز .. استعان بالشيخ علوان المذكور، فأقبل إليه بنحو عشرين ألفا من مذحج، فلما أخذ المظفر حصن تعز ..
جعل الجند للشيخ علوان ولمن معه نهبا، فلما علم أهل الجند بتوجه علوان إليهم لنهبها ..
أغلقوا أبواب الجند، واجتمعوا في مسجدها على تلاوة القرآن والصلاة والتضرع إلى الله بكفاية شر علوان، فرأى علوان في المنام كأن مسجدا يطوف حول المدينة وفيه جماعة يصلون ويقرءون القرآن، وعلى أبوابه جماعة بأيديهم سيوف مصلتة، وهم يهمون بضرب من دنا منهم أو دنا من المدينة، قال: فقلت لبعضهم وأنا بعيد منه: ما هذا؟ فقال:
مسجد الجند يطوف حولها ويحميها من تعدّي علوان عليها أو على أهلها، وهؤلاء ملائكة على بابه واقفون يصدون عنه من أراده وأهله بسوء، وهؤلاء الذين في وسطه أهله يدعون الله بكفاية شر علوان، فاستيقظ علوان، وقص الرؤيا على فقيهه عبد الله بن يحيى بن أحمد ابن أبي الليث الهمداني الآتي ذكره في العشرين بعد هذه (١)، ثم قال: ومن تكن الملائكة تحرسهم .. فكيف يليق التعرض لهم؟ ! فقال له الفقيه: لا مصلحة لك في ذلك، فارتحل عنهم، وتاب الشيخ علوان في آخر عمره، وحسنت توبته، وصلح أمره، وقال يعاتب نفسه: [من الطويل]
وقد كان ظني الغيّ واللهو إنما ... يكونان في عصر الشباب الغرانق
فلما أتاني الشيب وانقرض الصبا ... نظرت وذاك الغيّ غير مفارق
فقال بلى لكن رأيتك ربما ... تكون بإحدى الحالتين موافقي
فقلت له لا مرحبا بك بعدها ... وإنك مني طالق وابن طالق
فقال سمعنا ما حلفت به لنا ... وكم مثلها قد قلتها غير صادق
فقلت أمن بعد الطلاق فقال لي ... وأيّ طلاق للنساء الطوالق
فقلت له لي منك جار يجيرني ... فقال ومن هو قلت ذو العرش خالقي
(١) انظر (٥/ ٣٩٩).